للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعراج أن النبي ﷺ رآه فيها (١).

والثاني: أنه في السماء السادسة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: أنه في السماء السابعة. حكاه أبو سليمان الدمشقي (٢).

والرابع: في الجنَّة، قاله ابن زيد. وقيل: إنَّ الجنَّة في السماء الرابعة.

وفي سبب صعوده إلى السّماء أقوال:

أحدها: أنه كان يصعد له في كل يوم من العمل مثل ما يصعد لجميع بني آدم في زمانه، فتعجَّبت منه الملائكة، واشتاق إليه ملك الموت، فاستأذن ربَّه في زيارته فأذن له، فهبط إليه في صورة بني آدم وصحبَهُ، وكان إدريس يصوم الدهر، فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه، فأبى أن يأكل معه، فعل ذلك ثلاث ليالٍ، فأنكره إدريس وقال له: مَن أنت؟ فقال: لا تخف، أنا ملك الموت، استأذنت ربي في زيارتك وصحبتك فأذن لي، فقال له إدريس: لي إليك حاجة، فقال: وما هي؟ قال: تقبض روحي. فأوحى الله تعالى إليه: اقبض روحه، ففعل، ثم ردَّها الله إليه بعد ساعة، فقال له ملك

الموت: وما الفائدة في سؤالك؟ فقال: لأذوق الموت وكربه فأكون له أَشدَّ استعدادًا.

ثم قال له إدريس: لي إليك حاجة أخرى، قال: وما هي؟ قال: ترفعني إلى السماء وتريني الجنَّة والنار، فأذن الله له في رفعه إلى السماء، وسأل ملك الموت أن يسأل مالكًا خازن النار أن يفتح له بابًا من أبوابها، ففعل، فرآها فقال لملك الموت: كما أريتني النّار فأرني الجنة، فذهب به إلى الجنَّة فأدخله إيَّاها، فلما طاف فيها قال له ملك الموت: اخرج منها وعدْ إلى مستقرِّك، فتعلَّق بشجرة فقال: لا أخرج منها، فبعث الله ملكًا فحكم بينهما، فقال له الملك: ما لك لا تخرج؟ فقال: لأنّ الله تعالى يقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] وقد ذقته. وقال: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] وقد وردتها، وقال: ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (٤٨)[الحجر: ٤٨] فلست أخرج. فأوحى الله إلى ملك الموت: بإذني دخل وبأمري فعل ما فعل، فخلِّ عنه، فتركه، قاله


(١) البخاري (٣٢٠٧)، ومسلم (١٦٤).
(٢) انظر الأقوال في "زاد المسير" ٥/ ٢٤١.