للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكتب عبدُ الله بنُ مسلم هذا إلى يزيد -وكان حليفًا لبني أمية- يقول: قد قدم مسلمُ بنُ عَقِيل الكوفةَ وقد بايعه شيعةُ الحسين، فإنْ كان لك في المصر حاجة فابعَثْ إليه رجلًا قويًّا، فإن النعمانَ ضعيف.

وكتب إليه جماعة، منهم عُمر بن سعد بن أبي وقَّاص، وعُمارة بن عقبة بن أبي مُعَيط، فاستشار يزيدُ سَرْجُون مولى معاوية، وأخبرَه الخبر فقال له: أرأيتَ معاوية لو نُشِرَ، أَكُنتَ آخذًا برأيه؟ قال: نعم. فأخرج عهدَ عُبيد الله بن زياد على الكوفة، وكان معاوية قد كتبَه، وأخفاه يزيد (١)؛ لأنه كان متخوِّفًا من عُبيد الله.

فدعا يزيدُ مسلمَ بنَ عمرو الباهلي، وبعثَ بعهده معه.

وكان الحسين ﵁ قد كتبَ إلى أشرافِ أهلِ الكوفة والبصرة كتابًا نسخته واحدة، إلى الأحنف بن قيس، ومالك بن مِسْمَع البكري، والمنذر بن الجارود، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عُبيد الله بن معمر، وهؤلاء أشراف البصرة، كما كتب إلى أشراف الكوفة، وبعثَ بالكتاب مع مولًى لهم يقال له: سليمان، وفيه: إن الله بعث محمدًا بالحقّ، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثم قبضَه إليه، وكنَّا أهلَه وعشيوتَه وورثتَه وأحقَّ الناس به، فاستأثرَ قومُنا علينا ميراثَ جدِّنا، فكرهنا الفُرْقَة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنَّنا أحق بذلك الحق منهم وممَّن تولَّاه، وأنا أدعُوكم إلى كتاب الله وسنَّةِ رسوله، فإن السنَّة قد أُميتَت، والبِدَعَ قد أُحْيِيَت، وبعثتُ بكتابي مع رسول، فاسمعوا وأطيعوا أهدِكُمْ سبيلَ الرشاد. والسلام.

فكتم القومُ أمر الكتاب إلا المنذر بن الجارود (٢)، فجاء بالكتاب والرسولِ إلى ابن زياد في الليلة اتي يريد أن يسير في صبْحها إلى الكوفة. فضربَ عنقَ الرسول، وصَعِدَ المنبر فخطب، وقال: يا أهل البصرة، ما أنا مِمَّن يُقَعْقَعُ لي بالشِّنان (٣)، وإني لمنكل


(١) كذا في (خ)، والذي أخفى الكتاب سرجون مولى معاوية، وبه يستقيم السياق، ينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٤٢٠، و"تاريخ" الطبري ٥/ ٣٥٦.
(٢) في (خ): زياد، بدل الجارود. وهو خطأ.
(٣) القعقعة: صوت الشيء الصُّلب على مثله، والشِّنان جمع شَنّ، وهي القِرْبَة اليابسة، معناه: ليس هو مما تفزعه القعقعة. ينظر "جمهرة الأمثال" ٢/ ٢٣٧ و ٤١٢.