للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج مسلم بن عَقِيل من دار هانئ في ثمانية عشر ألفًا (١)، وشِعارُهم: يا منصور أَمِتْ أَمِتْ. فما بلغ القصرَ إلا في ثلاث مئة، وليس مع [ابن] زياد في القصر إلا ثلاثون رجلًا وأهلُه، فأمرَ محمد بنَ الأشعث أن يخرج في كِنْدة، فيرفع راية أمان، وأمرَ شَبَث بن رِبْعيّ التميميّ، وحجَّار بن أَبْجَر العجليّ وشمر بن أبي الجوشن العامريّ، فخذَّلُوا الناسَ عن مسلم بن عقيل، واطَّلع الباقون من القصر، فخذَّلُوا عنه عشائرهم، فتفرَّقوا (٢).

وبقي وحدَهُ، وجاء إلى طَوْعة، فأجارَتْه، وكتَمَتْ حاله عن ابنها، وكان مولًى لمحمد بن الأشعث.

وعلم به محمد بن الأشعث، فأخبرَ ابنَ زياد، فبعث إلى عَمرو بن حريث صاحب شُرَطَتِه: ابْعَثْ مع ابن الأشعث سبعين رجلًا من قيس. وإنما خصَّ قيسًا؛ لعلمه أنَّ كلَّ قبيلةٍ يكرهون أن يصاب فيهم مسلم بن عقيل (٣). فبعثَ معه عَمرو بنَ عُبيد الله بن عباس السُّلمي، فأتوا الدار التي فيها مسلم، فلما سَمِعَ [وقع] حوافِرَ الخيل وأصوات الرجال، عرف أنه قد أُتي، فخرج إليهم بسيفه، وكانوا قد اقتحموا عليه الدار، فضربَهم حتى أخرجهم منها، وضربه بُكير بن حُمْران (٤) الأحمري، فقطع شَفَةَ مسلم العليا، وأشْرَعَ في السفلى، وضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة، وثنَّى بأُخرى على حبل العاتق كادت تطلُع على جوفه، فلما رأوا ذلك، أشرفوا عليه من ظهر البيت يرمونه بالحجارة، ويُلْقُون عليه القصب وفيه النار، فخرج من البيت والسيف في يده يقاتلُهم، فصاح به محمد بنُ الأشعث: لك الأمان. وهو يحملُ ويقول:


(١) في الكلام تجوُّز، فعدد الذين بايعوا مسلمًا ثمانية عشر ألفًا، أما عدد الذين خرج بهم فأربعة آلاف. وينظر "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٦٨ - ٣٦٩.
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٣٦٨ - ٣٦٩.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٧٣: يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل.
(٤) في (خ): بن حفص، والمثبت من "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٧٣، وفي "أنساب الأشراف" ٢/ ٨٨: بن حمدان.