للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رضوان الله عليه، فجاء فجلس إليه وقال: من أين الرجل؟ قال: من اليمن. قال: ما فعل صاحبُنا الذي حرقَه الأسود بالنار فلم تضرَّه؟ قال: ذلك عبد الله بن ثُوب. فقال: ناشدُتك الله، أنتَ هو؟ قال: نعم. فقام عمر رضوان الله عليه، فقبَّل ما بين عينيه، ثم جاء به، فأجلسه بينه وبين أبي بكر رضوان الله عليه وقال: الحمدُ لله الذي لم يُمتني حتى أراني رجلًا من أمَّة محمد ﷺ فُعِلَ به كما فُعل بإبراهيم الخليل ﵇ (١).

وقال علقمة بن مَرْثد: انتهى الزُّهد إلى ثمانية من التابعين، منهم أبو مسلم الخَوْلَاني، ما كان يُجالس أحدًا يتكلَّم في أمور الدنيا إلا تحوَّل عنه (٢).

وكان يصوم الدهر، ويقوم الليل، ويصلِّي كلَّ يوم وليلة أربع مئة ركعة ويقول: إنَّ الخيل لا تجري إلى الغابات وهي بُدْنٌ، إنما تجري وهي ضُمْر، وإنَّ بين أيدينا أيامًا لها نعمل (٣).

وقال الحافظ أبو نُعيم: كان أبو مسلم كثيرَ الغزو لبلاد الروم، فإذا مرُّوا بنهر يقول: اُعْبُروا بسم الله. ويمرُّ بين أيديهم. فيمرُّون بالنهر الغَمْر، فربَّما لا يبلغ من الدوابّ إلا إلى الرُّكَب، أو قريبًا من ذلك، فإذا جاوز النهر قال: من ذهبَ له شيء فأنا ضامنٌ له. فألقى بعضُهم مِخْلاةً عَمْدًا، فلما جاوز قال الرجل: مِخْلاتي وقعت في النهر. قال:


(١) أخرجه ابن عبد البَرّ في "الاستيعاب" ص ٨٦٠، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ص ٤٩٣، و ٤٩٤، من طريق إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، به. قال ابن عبد البر: صدر الخبر معروف مثله لحبيب بن زيد بن عاصم مع مسيلمة، فقتله مسيلمة. . . وإسماعيل بن عياش ليس بحجة في غير الشاميين. وقال الذهبي في "السير" ٤/ ٩: شرحبيل أرسل الحكاية.
وجاء آخر الخبر في (م) ما نصُّه: (وهذه رواية أبي نعيم، وقد ذكر القصة ابن عساكر وقال: لم يحترق منه إلا أمكنة لم يصبها الوضوء). اهـ. قلت: وقد أخرج ابن عساكر الخبر من رواية شرحبيل، وذكره أيضًا من رواية أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، وفيه نحو الكلام الذي وقع في (م).
(٢) حلية الأولياء ٢/ ١٢٣، وصفة الصفوة ٤/ ٢٠٩. وذكر أبو نعيم الزهَّاد الثمانية في "الحلية" ٢/ ٨٧ في ترجمة عامر بن عبد الله بن قيس، (وهو أحدهم)، والستَّة الآخرون هم: أُوَيس القَرْني، وهَرِم بنُ حيَّان، والرَّبيع بن خُثيم، ومسروق بنُ الأَجْدَع، والأسود بن يزيد، والحسن البصري رضي الله ﵃.
(٣) حلية الأولياء ٢/ ١٢٧ وتاريخ دمشق ص ٥٠٠ (ترجمة أبي مسلم- طبعة مجمع دمشق)، وصفة الصفوة ٤/ ٢١٠.