للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلام تُشكر؟ فواللهِ ما تُعطي إلا مداراةً، ولا تحلُمُ (١) إلا مصانعةً، فاجْهَدْ جَهْدَك، فإن ورائي من ربيعة ركنًا شديدًا، لم تَصْدَأ (٢) أدرعُهم مُذْ جَلَوْها، ولا كلَّتْ سيوفُهم مُذْ شحذُوها. فقال: اخْرُجْ. فخرج.

ودخل رجل آخر من اليمن يقال له: عبد الله، فقال: إيهِ يا عُبيد الله (٣)، ألحقتُك بالأقوام، وأطلقتُ لسانَك بالكلام، ثم يبلغُني عنك ما يبلغُني من سوء الإرجاف، لقد هممتُ أن أجعلَك عبرة لأهل الشام. فقال: يا معاوية، ألهذا دعوتَني؟! صغَّرتَ اسمي ولم تنسبني إلى أبي، وإنَّما سُمّيتَ معاويةَ باسم كلبة عَوَتْ، فارْبَعْ على ظَلْعِك (٤)، فذلك خيرٌ لك. فقال: أخرج. فخرج. وخرجَتْ فاختة، فقالت: أيها الرجل، صانِعِ الناس وسُسْهُم برفقك وحلمك، فأبعدَ الله مَنْ لامَك.

وخطبَ معاويةُ يومًا بالمدينة، فقام إليه غلام من الأنصار، فقطعَ عليه الكلامَ، وقال: ما الذي جعلك وأهلَ بيتك أحقَّ بهذه الأموال منَّا، وإنَّما أفاءها الله على المسلمين بسيوفنا، وما لنا عندك ذنب غير أنَّا قتلنا جدَّك عُتبة، وأخاه شيبة، وخالك الوليد بنَ عتبة، وأخاك حنظلة يومَ بدر. فقال معاوية: واللهِ يا ابن أخي، ما أنتم قتلتموهم، ولكنَّ الله قَتَلَهم بملائكة على أيدي بني أبيهم، وما ذاك بعارٍ ولا مَنْقَصَة. فقال الأنصاري: فأين العار والمَنْقَصةُ إذًا؟ قال: صدقتَ (٥). وكان بين يديه مال، فقال: احملْ منه ما شئتَ. فحملَ وقْرَه، وعاد معاوية إلى خطبته.

وخطب معاوية، فنال من عليّ (٦)، فقام أبو الدَّرداء إليه وقال: كذبتَ يا معاوية، ليس هو كما تقول. فنزل معاوية من المنبر، فقال له يزيد: أتحتملُ هذا كلَّه؟! فقال: مَهْ، إنَّه من عُصْبةٍ عاهدوا اللهَ لا يسمعوا كذبةً إلا ردُّوها.


(١) في (خ): تحكم.
(٢) في (ب) و (خ): لم تصل. والمثبت من "أنساب الأشراف".
(٣) في "أنساب الأشراف" ٤/ ١٢٤: عُبيد السوء.
(٤) أي: لا تُجاوز حدَّك في وعيدك. ينظر "مجمع الأمثال" ١/ ٢٩٣.
(٥) بعدها في "أنساب الأشراف" ٤/ ١٣٣: أفلك حاجة؟ قال: نعم، لي عجوز كبيرة، وأخوات عواتق، وقد عضَّنا الدهر، وحلّ بنا الحَدَثان ....
(٦) في (ب) و (خ): فقال من علي علم (؟) والمثبت من "أنساب الأشراف" ٤/ ١٣٣.