للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاءه شَمِر فوقفَ على عسكر الحسين ونادى: أين بنو أختنا؟ فخرج العباسُ وعثمانُ وعبدُ الله وجعفر بنو علي بن أبي طالب ، فقال لهم: أنتم يا بني أختي آمنون. فقالوا له: لعنك الله، ولعنَ أمانتكَ ومَنْ أمَّنَنَا، ويحك! أَتُؤَمِّنُنا، وابنُ رسولِ الله وابنُ فاطمة لا أمانَ له؟! اذهَبْ مذمومًا مدحورًا.

ومعناه أنَّ أمَّ البنين -هي أمُّ العباس وعثمان وعبد الله وجعفر- كِلابيَّة، وشَمِر -لعنه الله- كِلابيّ (١).

ولما قدم شَمِر بكتاب ابن زياد على عُمر بن سعد؛ قرأه وقال له: ويلك يا أبرص، ما لَك؟! لا قرَّب اللهُ دارَك، ولا أدنى مَزارَك، وقبَّحَ ما أتيتَ به، واللهِ إنِّي لأظنُّك ثَنَيتَهُ أن يقبل ما كتبتُ به إليه، أفسدتَ علينا أمرَنا، قد كنَّا نرجو أن يصلح، واللهِ لا يستسلمُ حسين أبدًا، لَنَفْسُ أبيه بين جَنْبَيه. فقال له شَمِر: دَعْ هذا، وأخْبِرْني ما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوه؟ وإلَّا فخلِّ بيني وبين ذلك. فقال: لا، ولا كرامة لك، وأنا أتولَّى ذلك. قال: فدونك.

فنهض إليه عشيَّة الخميس لسبع مضين من المحرَّم بعد صلاة العصر والحسينُ جالسٌ أمامَ بيته مُحتبيًا بسيفه؛ إذْ خفقَ برأسه على ركبتيه، وسمعَتْ أختُه زينبُ بنتُ عليّ الضجَّةَ (٢)، فدنَتْ من أخيها وقالت: يا أخي، أما تسمعُ الأصوات، وعُمر بن سعد ينادي: يا خيل الله اركبي وأبشري؟! فرفع الحسين رأسَه وقال: رأيتُ رسولَ الله الساعةَ في النوم، فقال لي: إنك تروحُ إلينا. فلطمَتْ زينبُ وجَهها، وقالت: واويلتاه! وقال الحسين : ليس لكِ الويل يا أختاه، اسكُني.

وقال له العبَّاس بن عليّ: أتاك القومُ. فقال: يا أخي ارْكَبْ إليهم، وسَلْهُم عمَّا بدا لهم، وما الذي جاء بهم؟ فالتقاهم العباس، فسألهم، فقالوا: ورد كتاب الأمير بكذا وكذا.


(١) ذكر الطبري أن شمر لمَّا أخذ الكتاب من ابن زياد؛ كان معه عبد الله بن أبي المحل الكلبي، فقال ابن أبي المحل لابن زياد: إن بني أختنا (يعني أمّ البنين) مع الحسين، فإنْ رأيت أن نكتب لهم أمانًا؟ قال: نعم. فأمر كاتبه، فكتب لهم أمانًا.
(٢) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤١٦: الصيحة. وفي سياق الخبر هنا اختصار، وتقديم وتأخير. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٨٣ - ٤٨٤.