للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجاء فأخبر الحسين رضوان الله عليه، فقال: عُدْ إليهم، وقل لهم: انصرفوا هذه العشيَّة لننظر في أمرنا الليلةَ، وفي غداة غد يكون ما يريدُ الله. فجاء إليهم فأعاد عليهم ما قال الحسين : فقال عُمر بن سعد لأصحابه: ما تقولون؟ فقالوا: أنت الأمير، والرأيُ رأيُك، قال: وَدِدْتُ أن لا أكونَ أميرًا. فقال له عَمرو بن الحجَّاج الزبيدي: سبحان الله! لو كان من الدَّيلم ثم سألك هذا لقد كان ينبغي لك أن تُجيبَه!

وقال ابن الأشعث: أجِبْهُم إلى ما سألوك، فواللهِ لَيُصَبِّحُنَّكَ بالقتال غُدْوَة. فعاد عُمر بن سعد إلى فسطاطه (١).

وقال الحسين رضوان الله عليه: إنما دفعتُهم العشيَّة لنصلّي الليلة، ونسألَ ربَّنا، وندعوَه ونستغفرَه (٢).

ولما انصرف القوم عن الحسين ؛ عرضَ على أصحابه أن يتفرَّقوا، فأبَوْا وقالوا: واللهِ لا نُفارقُكَ حتى يصيبَنا ما أصابك.

فبات الحسين وأصحابه تلك الليلة، وسألوا الله تعالى وبَكَوْا وتضرَّعوا.

قال عليُّ بن الحسين . وكنتُ مريضًا، وعمَّتي زينب عند رأسي، فاعتزَلَ أبي ليُصلح سيفَه وقال:

يا دَهْرُ أُفٍّ لك من خليلِ … كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ

من صاحبٍ أو طالبٍ قتيل … وكلُّ حيٍّ سالكُ السبيلِ

وجعل يُرَدِّدُها، ففهمتُ ما أراد، فخنقَتْني العَبْرة، فردَدْتُ دَمْعي، وعلمتُ أنَّ البلاء قد نزل.

وأمَّا عمَّتي فسمعَتْ، وهي امرأة، فأدركَها الجَزَع والرِّقَّة، فلم تملك نفسها أنْ قامَتْ تجرُّ ثوبَها وهي حاسرة حتى انتهت إليه، فقالت: واثُكلاه! ليت الموتَ أعْدَمَني الحياة اليوم، ماتَتْ أمّي فاطمة، وعليٌّ أبي، وحسنٌ أخي، يا خليفة الماضين،


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٤١٦ - ٤١٧ بأطول منه، وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٨٤ - ٤٨٥.
(٢) بنحوه في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤١٧. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٨٤.