للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرعي، واجتنَيتَ (١) أصلي. فقال لها ابنُ زياد: هذه شجاعة، ولقد كان أبوك شاعرًا شجاعًا. فقالت: ما لي وللشجاعة، إنَّ لي عنها لشُغْلًا.

[قال:] ونظر ابنُ زياد إلى عليِّ بن الحسين، فقال لشرطي: انظر، هل بلغ هذا مبلغ الرجال؟ فكشف (٢) إزاره عنه، وقال: نعم. قال: انطلقوا به فاضربوا عنقه، فصاحت زينب بنتُ علي: يا ابنَ زياد، حسبُك من دمائنا، إن كنتَ قاتلَه فاقتُلْني معه. فقال علي: إنْ كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابْعَثْ معهنَّ رجلًا يحافظ عليهنّ. فقال له ابن زياد: تعال، أنت ذاك. فبعثه معهنّ (٣).

وحكى ابنُ سعد (٤) أنَّ رجلًا من أهل الكوفة أخذَ عليًّا، فخبأه في داره، وأكرمه.

قال: وكان كما دخل وخرج يبكي. قال: فأقول: إن كان عند أحد من أهل الكوفة خمر، فعند هذا.

فبينا أنا عنده ذات يوم؛ إذ نادى منادي ابن زياد: من كان عنده عليّ بن الحسين؛ فليأتِ به، وله ثلاث مئة درهم. قال: فدخل عليَّ وهو يبكي، فجعلَ في عنقي حبلًا، وربط يديَّ إلى الحبل، وسلَّمني إليهم، وأخذَ الدراهم وأنا انظر إليها. فأُدخلت على ابن زياد، فقال: ما اسمُك؟ قلت: عليُّ بن الحسين. فقال: ألم يقتل الله عليًّا؟! قلت: كان في أخ أكبر مني اسمه عليّ، قتله الناس. قال: بل الله قتلَه. قلت: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ﴾ (٥) ﴿وَمَا كانَ لِنَفسٍ أَن تَمُوتَ إِلا بِاذنِ اللهِ﴾ (٦). فأمر بقتلي، فصاحت زبنب بنتُ عليّ: يا ابنَ زياد، حسبُك من دمائنا. وذكر بمعناه.

ولمَّا دخل عُبيد الله القصر ودخل الناس؛ نوديَ: الصلاةُ جامعة. واجتمع الناسُ في المسجد الأعظم، فصعد ابنُ زياد المنبر، وقال: الحمد لله الذي أظهر الحقَّ [وأهلَه]، ونصرَ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبَه، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي


(١) في "تاريخ الطبري": واجْتَثَثْتَ.
(٢) في (م) و"تاريخ الطبري": فكشط.
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٤٥٨ - ٤٥٧. وينظر "طبقات ابن سعد" ٦/ ٤٤٥، و"أنساب الأشراف" ٢/ ٥٠٤ - ٥٠٥.
(٤) في "الطبقات" ٦/ ٤٤٤ - ٤٤٥. وذكره الطبري أيضًا ٥/ ٤٥٨، ٤٥٧ بنحوه.
(٥) من الآية (٤٢) من سورة الزمر.
(٦) من الآية (٤٥) من سورة آل عمران.