للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها اتَّفق أهلُ البصرة على عُبيد الله بن زياد على أن يقوم بأمرهم حتى يصطلح الناس على إمام يرضَوْنه لأنفسهم، وأرسل رسولًا إلى الكوفة يدعوهم إلى مثل ذلك، فحصبوا رسولَه، ثم نفاه أهلُ البصرة بعد ذلك (١).

كان عُبيد الله بن زياد بالبصرة، وخليفتُه بالكوفة عَمرو بن حُريث المخزومي، فجاء نعي يزيد إلى البصرة، فقام ابنُ زياد خطيبًا فقال في خطبته: يا أهل البصرة، قد وَلِيتُكُم وفي ديوان مقاتلتكم سبعون ألفًا، وهم اليوم ثمانون ألفًا، وكان في ديوان عيالكم سبعون ألفًا، وهم اليوم مئة وعشرون ألفًا، وما تركتُ لكم ذا ظِنَّة تخافون منه إلا وهو في حبسي، وإنَّ يزيد بن معاوية قد مات، واختلفَ أهل الشام، وأنتم اليوم أكثرُ الناس عددًا وأغناهم، فاختاروا لأنفسكم رجلًا ترضَوْنه لدينكم وجماعتكم، فأنا أول راضٍ به وتابعٌ له. فقالوا: ما نعلمُ أحدًا أقوى عليها منك، فهلمَّ فلنبايعك. فقال: لا حاجةَ لي فيها، فاختاروا لأنفسكم رجلًا، فإن اجتمعَ أهلُ الشام على رجل ترضَوْنَه دخلتُم فيما دخل فيه الناس، وإلا أنتم على حالكم. فقالوا: ما نرى لها سواك. فبايَعوه وانصرفوا ويقولون: أيظنُّ ابنُ مَرْجانة أنْ نستقادَ له في الجماعة. كذبَ عدوُّ الله (٢).

وبعث ابنُ زياد إلى خليفته على الكوفة عَمرو بنِ حُريث مع عامر بن مسمع القيسي وسعد بن القرحاء ليُخبروا أهلَ الكوفة بما فعل أهلُ البصرة، فجمع عَمرو بنُ حُريث الناس، وأخبرَهم باتفاق أهل البصرة على إمرة عُبيد الله عليهم حتى يتفق الناس على إمام. وقال ابن حريث: إنما البصرة والكوفة شيءٌ واحد. ثم قام الرسولان وقالا: ليكن أمرُنا وأمرُكم جميعًا. فقام يزيد (٣) بن الحارث بن رُويم الشيباني فقال: أنحن نُبايع ابنَ مَرْجانةَ الفاسقَ ابنَ الفاسق الدعيّ! لا والله، ولا كرامة. ثم حَصَبَ الرسولين (٤) وعَمرَو بنَ حُرَيث، وحصبَهم الناس، فأخرجوهم من الكوفة، فقدموا البصرة، وأخبرُوا ابنَ زياد بما لَقُوا.


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٥٠٣.
(٢) ينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٤٦٥ - ٤٦٦، و"تاريخ" الطبري ٥/ ٥٠٤ - ٥٠٥.
(٣) في (ب) و (خ): زيد. والمثبت من "أنساب الأشراف" ٤/ ٤٤٠، و"تاريخ الطبري ٥/ ٥٢٤ و ٥٢٥.
(٤) في (ب): الرسولان. وفي (خ): خطب الرسولان، وثمة أخطاء أخرى مثلها فيهما لم أشر إليها لئلا أُثقل الحواشي بما لا فائدة فيه.