للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن عبّاس: لما ركب في السَّفينة لعشر مضين من رجب، وخرج منها يوم عاشوراء، قال الله تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: ١١، ١٢] ارتفع الماء على رؤوس الجبال العالية أربعين ذراعًا، فهلك من كان على وجه الأرض من ذي روح وشجر وغير ذلك، ولم يبق سوى من في السَّفينة. قال كعب: قرأت في التَّوراة أنَّه هلك جميع العالم إلا عوج بن عناق، وعناق بنت آدم، فإنه لم يبلغ الماء إلى ركبتيه، وعاش إلى زمان موسى (١) وسنذكره.

وقال أبو إسحاق الثعلبي: وفي حديث عائشة عن النبي ﷺ أنَّه قال: "لما فَارَ التَّنُّورُ خشيَت أمُّ الصَّبيِّ على ابنِهَا فَصعِدت به الجَبلَ، فلمَّا لحِقَها الماءُ جَعلَته على رقَبتِها، فَبلغَ الماءُ رقَبتَها، فَجعلَتهُ على رأسِها فَرفَعت يَديها بِهِ، فذَهَبَ بِهَا الماءُ. فلو رَحِمَ اللهُ أحدًا لرحِمَ أُمَّ الصَّبي" (٢).

فإن قيل: فما ذنب البهائم والطُّيور؟ فالجواب ما ذكره مقاتل قال: حضرت آجالهم فأُميتوا بالغرق (٣).

وقال السُّديُّ: كثرت أرواث الدَّوابِّ في السَّفينة فأوحي إلى نوح: اغمز ذنب الفيل فغمزه، فخرج منه خنزير وخنزيرة، فأكلا الأرواث. ونظر إلى فأر يقرض جوانب السَّفينة فأوحى الله إليه اضرب بين جبهتي الأسد، فضرب فخرج منه سِنَّور وسِنَّورة فأكلا الفأر (٤).


(١) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ١٨٥، وقال ابن كثير في البداية والنهاية ١/ ٢٦٦: كيف يزعم بعض المفسرين أن عوج كان موجودًا من قبل نوح إلى زمان موسى … إلى غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لسقاطتها وركاكتها، ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول.
(٢) عرائس المجالس ٥٨، أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣٤٢ - ٥٤٧، قال ابن كثير في البداية والنهاية ١/ ٢٦٦: وهذا حديث غريب وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد وغير واحد شبيه لهذه القصة، وأحرى بهذا الحديث أن يكون موقوفًا متلقى عن مثل كعب الأحبار، والله أعلم.
(٣) انظر "زاد المسير" ٤/ ١١٣.
(٤) أخرجه الطبري في تاريخه ١/ ١٨١، وانظر "عرائس المجالس" ٦٥، وقال ابن كثير ١/ ٢٧٠: وهذا أثر غريب جدًّا.