للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن الكلبي، قال نوح: يا ربّ كيف أجمع بين الشاء والأسد؟ فقال الله: أنا أنزع العداوة من بين البهائم (١).

وقال ابن عباس: ما أهلك الله قوم نوح إلا بطغيانهم، أقام ينذرهم زمانًا فمضت عليه قرون، فما كان يأتي عليه قرن إلا وهو أخبث من الآخر، حتى إنَّ الأخير منهم ليأتي إلى نوح بولده فيقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا مجنونًا، فإيَّاك أن تتبعه، ثم يبصق في وجهه ويضربه (٢).

وقال مالك بن أنس الفقيه: كان الرَّجل في زمان نوح ينتسب إلى خمسة عشر جدًّا كلهم أحياء (٣).

وقال مجاهد: كانوا يمرُّون عليه وهو يعمل السَّفينة فيقولون: يا سكن، صرت نجَّارًا بعد النبوَّة، وهو يدعوهم إلى الله تعالى فيضربونه فيدعو عليهم، فأعقم الله أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد مدَّة سنين (٤)، قال: وكان التنُّور من حجارة يُخبز فيه لآدم، فكانوا يتوارثونه، وكان في دار نوح، فأوحى الله إليه قد جعلت فورانه عَلَمًا على هلاكهم (٥).

فإن قيل: فلم أهلكهم بالغرق؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أنهم لما رأوه يعمل السفينة استهزؤوا به، وقالوا: تزعم أنك تسلمُ ونحن نغرق؟! وضربوه ضربًا مبرحًا، فأغرقهم الله.

والثاني: لأنَّ عذاب الله مختلف على ما يشاء، وذلك أبلغ في العظة من أن يهلكوا بنوع واحد، فتارة بالغرق وتارة بالرِّيح، وتارة بالخسف والزلازل، وذلك أبلغ في القدرة.

قوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾ أي: في مكان منقطع عن دين أبيه ﴿يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (٤٢) قَال سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾


(١) انظر "عرائس المجالس" ٥٨.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره"١٢/ ٣٦ عن عبيد بن عمير الليثي.
(٣) أخرجه ابن الجوزي في "المنتظم" ١/ ٢٤٤.
(٤) في (ب): ستين سنة.
(٥) انظر "تفسير البغوي" ٦١٩، و"زاد المسير" ٤/ ١٠٥.