للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقاتل يوم تحريق الكعبة قتالًا عظيمًا، وأقام عند ابنِ الزُّبير حتى هلك يزيد، وأقام خمسة أشهر بعد هلاك يزيد، فلما رآه لا يستعملُه، عزم على قصد الكوفة.

فقدم مكةَ هانئُ بنُ أبي حيَّة الوادعي يريد العُمرة (١)، فلقيَه المختار، فسألَه عن الناس بالكوفة، فقال: قد اتَّسقوا على ابنِ الزبير إلا طائفةً من أهل المصر لو كان لهم رجل يجمعُهم على رأيه أكل بهم الأرض. فقال المختار: أنا أبو إسحاق، أنا واللهِ أجمعُهم على رأي الحقّ، وألقى بهم (٢) ركبان الباطل، وأقتلُ بهم كلَّ جبَّار عنيد. فقال هانئ: ويحك يا ابنَ أبي عُبيد! لا تُوضِع في الضلال، وليكن صاحبُهم غيرك، فإنَّ صاحبَ الفتنة أقربُ شيء أجلًا، وأسوأُ الناس عملًا. فقال المختار: ما أدعو إلى الفتنة، وإنما أدعو إلى الهدى والجماعة.

ثم ركب المختار رواحلَه، وسار إلى الكوفة، فلقيَه سَلَمَةُ بن مَرْثَد الهَمْداني بالقَرْعَاء (٣) -وكان ناسكًا شجاعًا- فسأله المختار عن الناس، فقال: هم كغنم ضلَّ راعيها. فقال المختار: وأنا أُحْسِنُ رِعايتَها، وأَبلغُ نهايتَها. فوعظَه سَلَمة وقال له: اتَّق الله، فإنَّك ميت ومبعوثٌ ومُحاسَب.

فسار المختار حتى قدم الكوفةَ في شهر رمضان سنة أربع وستين، فلما قدم المختار وجدَ وُجوه الشيعة وأشرافَهم قد اجتمعوا على سليمان بن صُرد، فحسده وقال لهم: إني جئتكم من عند المهدي محمَّد بن الحنفيَّة وليّ الأمر، وأنا وزيرُه، وإن سليمان بن صُرَد لا خبرة له بالحروب، وليس بذي تجربة، وإنما يخرجكم فيقتل نفسه ويقتلُكم (٤).

وما زال حتى مالت إليه طائفة منهم، وأما رؤساؤهم فمع سليمان بن صُرد، لا يعدلون به أحدًا.


(١) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٥٧٧: عمرة رمضان.
(٢) في المصدر السابق ٥/ ٥٧٨: أجمعهم على مرّ الحق وأنفي بهم.
(٣) هو منزل في طريق مكة من الكوفة بعد المُغِيثة. وقبل واقصة إذا كان متوجهًا إلى مكة. "معجم البلدان" ٤/ ٣٢٥.
(٤) ينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٢ - ٤٣، و"تاريخ" الطبري ٥/ ٥٦٠ - ٥٦١ و ٥٨٠.