للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فخرجَ سليمان نحو الجزيرة، فقال عُمر بن سعد بن أبي وقاص وشَبَث بن رِبْعيّ ويزيد بن الحارث بن رُويم لعبد الله بن يزيد الخَطْمي وإبراهيم بن محمَّد بن طلحة (١): إنَّ المختار أشد عليكم من سليمان بن صُرد؛ لأن سليمان إنما خرج ليقاتل عدوَّكم، والمختار يريدُ أن يثبَ عليكم في مصركم، فاسجُنوه ليستقيم لكم الأمر.

فسار إليه عبد الله بنُ يزيد الخَطْمي وإبراهيم بن محمَّد بن طلحة، فأحاطوا به وأخرجوه من داره، فقال إبراهيم لعبد الله: شُدَّه كِتافًا، ومَشه حافيًا. فقال له عبد الله: هذا رجل ما ظهر لنا منه عداوةٌ ولا حرب، وإنما أخذناه على الظّن، فلا أشدُّه كِتافًا ولا أُمشِّيه حافيًا. فقال إبراهيم للمختار: يا ابنَ أبي عُبيد، ما هذا الذي يبلغُنا عنك؟ فقال المختار: أمَّا ما بلغك عني فباطل، وأعوذ بالله من غِشٍّ كغِشِّ أبيك وجدِّك.

فأركبوا المختار على بغلةٍ له دهماء، فقال إبراهيم لعبد الله: ألا تقيدُه؟ فقال: كفى بالسجن قيدًا. فقال: أَمَا [ورَبِّ البحار، و] النخيل والأشجار، والمَهَامِهِ والقِفار، والملائكة الأبرار، والمصطَفَيْنَ الأخيار، لأقتلنَّ كل جبار بكلِّ لَدْنٍ خَطَّار، ومهنَّدٍ بتَّار، في جموعٍ من الأنصار، ليسوا بأغمار ولا أشرار (٢)، حتى إذا أقمتُ عمود الدين، وشَفَيْتُ غليل صدور المسلمين والمؤمنين، وأدركتُ بثأر النبيِّين؛ لم يكبُر عليَّ زوالُ الدنيا، ولم أَحْفَل بالموت إذا أتى.

فكان يَسْجَعُ لأصحابه من هذا السَّجْع وأمثالِه (٣).

وأتى يزيد بن الحارث بن رُوَيْم الشَّيباني إلى عبد الله بن يزيد الخَطْمي فقال له: إنَّ الناس يتحدَّثون أن الشيعة خارجةٌ عليك مع سليمان بن صُرد، ومنهم طائفة قليلة مع المختار، والمختار يتربَّص بخروجه ما يؤول إليه أمرُ ابنِ صُرَد، فإن رأيتَ أن تجمعَ الشُّرَط والمقاتلة، ثم تنهضَ إليهم فتقاتلَهم. فقال عبد الله: إن قاتلونا قاتلناهم، وإن


(١) سلف ص ٢٦٧ أن عبد الله بن يزيد الخطمي أمير الكوفة على حَرْبها من قِبَل ابن الزبير، وإبراهيم بن محمَّد بن طلحة أميرها على الخَراج. وينظر "تاريخ" الطبري ٥/ ٥٨٠ - ٥٨١.
(٢) في "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٣، و"تاريخ" الطبري ٥/ ٥٨١: ليسوا بميل أغمار، ولا بعُزل أشرار.
(٣) ينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٢ - ٤٣، و"تاريخ" الطبري ٥/ ٥٨٠ - ٥٨٢. وما سلف بين حاصرتين منهما.