للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما مضت الثلاث حتى اجتمع رأيُه على نقضها، فتحاماه الناس خوفًا أن ينزلَ عليهم من السماء أمر.

ثم صَعِدَه رجلٌ، فألقى منه (١) حجرًا، فلما رأى الناس أنه لم يصبه [شيء] تتابعوا على نقضه، فنقضوه حتى بلغوا به الأرض.

ثم حفر الأساس، فوجدوا أصلًا بالحِجْر مشبَّكًا كأصابع (٢) اليدين، فدعا عبد الله بن الزبير خمسين رجلًا من قريش وأشْهَدَهم على ذلك، وجعل الحَجَر في تابوت في سَرَقَةٍ (٣) من حرير، ثم بني البيت، وأدخل الحِجْرَ فيه، وجعلَ للكعبة بابين موضوعين بالأرض، بابٌ يُدخل منه، وبابٌ يُخرج منه بإزائه (٤)، وقال: إن عائشةَ حدَّثَتْني أنَّ رسول الله ﷺ قال لها: "إنْ أرادَ قومُك أن يَبْنُوا البيتَ على ما كان عليه على عهد إبراهيم فليفعلوا" (٥).

قال: فأرَتْني عائشةُ الذي أراها رسولُ الله ﷺ، فكان عندي مذروعًا حتى وليتُ هذا الأمر، فلم أعْدُ به ما قال رسول الله ﷺ. فرأى الناس يومئذ أنه قد أصاب حتى بلغ موضع الركن الأسود؛ فوضعه بيده، وشدَّه بفضَّة؛ لأنه كان قد انصدع، ثم ردَّ الكعبة على بنائها، فجعلها سبعة وعشرين ذراعًا، ولطَّخَ جُدُرَها بالمسك، وسَتَرَها بالديباج.

ثم اعتمر من خيمة حمامة (٦)، وهي عند مساجد عائشة رضوان الله عليها، ثم طاف بالبيت وصلَّى وسعى.

ولمَّا ألحقها بالأرض جعل أعمدةً، فستر عليها ستورًا حتى ارتفع البناء (٧).


(١) في (خ) (والكلام منها): فألقى عليه منه!
(٢) الكلمة غير واضحة في (خ). والمثبت من "البداية والنهاية" ١١/ ٦٩٢.
(٣) السَّرَقَة: واحدة السَّرَق، وهي شُقَق الحرير الجيّد. وتحرفت اللفظة في (خ) إلى: خرقة. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٨٧.
(٤) في "أخبار مكة" للأزرقي ١/ ٢٠٧: وجعلَ البابَ الآخر بإزائه في ظهر الكعبة مقابله.
(٥) هو بنحوه من حديث مسلم (١٣٣٣) المشار إليه قريبًا.
(٦) كذا في (خ). وفي "أخبار مكة" للأزرقي ١/ ٢٢٠: جمانة.
(٧) أي: رفَعَ الأعمدةَ وجعل عليها الستور ليستقبلها المصلُّون ريثما يرتفع البناء. وكان من الأنسب أن ترد هذه الفقرة أثناء كلامه عن البناء.