للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأذن له، فدخل، فأجلسه زُفر إلى جانبه، وساءَلَه، فألطفَ له في المسألة، فقال له: ما إياك نُريد، وإنَّما نريد هؤلاء المُحِلِّين، فأَخْرِجْ لنا سُوقًا، فما، نُقيم بساحتك إلا يومًا.

فأمر زُفر ابنَه الهُذيل أن يُخرج لهم سوقًا، وأمر للمسيِّب بألف درهم وفرس، فقبلَ الفرسَ، وردَّ الدراهم، وقال: ماخرجنا لهذا، وهذا الفرس أتَقَوَّى به على جهاد الظالمين المُحِلِّين. وبعث لسليمان والمقدَّمين جوائز وطعامًا وعَلَفًا، وشعيرًا كثيرًا، ودقيقًا، فحملوا منه ما أطاقوا.

ثم أصبحوا من الغد، فارتحلوا على تعبئة، وخرج زُفَر فشيَّعهم وقال لسليمان بن صُرَد: إنَّ ابن زياد قد بعث إليكم خمسة أمراء قد فَصَلُوا عن الرقَّة، منهم الحُصين بنُ نُمير السَّكوني، وشُرَحْبيل بن ذي الكَلاع، وأدهم بن محرز الباهلي، وربيعة بن مخارق الغَنَوي، وحملة (١) بن عبد الله الخثعمي، وقد أَتَوكم [في] مثل الشجر والشَّوْك، واللهِ لقلَّما رأيتُ (٢) رجالًا أحسنَ هيئة وعُدَّة منهم، وإنِّي أعرضُ عليكم رأيًا لعل اللهَ أن يجعلَ لنا ولكم فيه خيرًا: إنْ شئتُم فتحنا لكم الباب (٣)، فدخلتُموها، فكان أمرُنا واحدًا، ويدُنا واحدة، وإنْ شئتُم نزلتُم إلى جانب قرقيسيا، وخرجنا فخيَّمْنا إلى جانب خيمكم، فإذا جاءنا العدوّ قاتلناه جميعًا.

فقال ابنُ صُرَد: قد أرادَنا أهلُ مِصْرنا على مثل هذا، فأبينا، ولسنا بفاعلين. فقال زفر: فاقْبَلُوا ما أُشيرُ به عليكم، فإني واللهِ للقومِ عدوّ، وأنا لكم محبٌّ، إنَّ الْقومَ لمَّا أقبلوا من الشام نزلُوا الرَّقَّة، وقد رحلوا عنها طالبين عين وَرْدَة (٤)، فبادِرُوهم إلى عين الوردة، واجعلوا المدينةَ وراء ظهوركم والرُّسْداق والماء والمادة بين أيديكم، وأمَّا من ناحيتي فأنتم آمنون، والله ما رأيتُ جيشًا. أحسنَ منكم، فبادِرُوا واسبِقوهم، وإذا التقيتُم فلا تقفوا لهم ترامونهم وتطاعنونهم، فإنهم أكثرُ منكم، فإن استُهدفتُم لهم لم يلبثوا أن يصرعوكم، وليس معكم رجَّالة، ومعهم الرجَّالة والفُرسان، والرجَّالةُ تحمي


(١) كذا في "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٤. وفي "تاريخ الطبري" ٥/ ٥٩٤، و"الكامل" ٤/ ١٨٠: جبلة.
(٢) في (خ) (والكلام منها): لقد قلت ما رأيت. والمثبت من "تاريخ الطبري"، ولفظة "في" بين حاصرتين منه.
(٣) في "تاريخ االطبري": مدينتنا، بدل: الباب.
(٤) هي رأس عين في الجزيرة (جزيرة الشام). ينظر "معجم البلدان" ٤/ ١٨٠.