للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما كان اليوم الثالث -وهو يوم الجمعة- اقتتلوا قتالًا عظيمًا، وأحاط بهم أهلُ الشام من كلِّ جانب فترجَّل سليمانُ، وكسَرَ جَفْن سيفِه ونادى: يا عبادَ الله، من أراد الرَّوَاح إلى ربِّه والتوبةَ من ذنبه والوفاءَ بعهده؛ فليأْتِ إليّ. فترجَّل معه ناس، وكسروا جُفُون سيوفهم، وحملوا حتى صاروا في وسط القوم، وقتلُوا من أهل الشام مقتلَةً عظيمة، ورأى الحُصين سليمان فعرفَه، فرماه بسهم، فوقع في نحره (١)، فقال: فُزْتُ وربِّ الكعبة.

وأخذ الرايةَ المسيّبُ بنُ نَجَبَة، وحملَ فأبلى بلاءً حسنًا، فقُتل، فأخذها عبد الله بنُ سعد وقال: رحم الله أخويَّ ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ الآية [الأحزاب: ٢٣] ثم قُتل، فأخذَها عبدُ الله بنُ وال، فقُتل وهو يقول. ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية [آل عمران: ١٦٩] (٢).

وجاء الليل، ولم يبق من الأمراء إلا رِفاعة بن شدَّاد البَجَلي، فسار بمن بقي من الناس في الليل، فقطع الخابور، ومرُّوا قريبًا من قرقيسيا، فبعث إليهم زُفَر الطعامَ والعلفَ والأطبَّاء، وقال: أقيموا عندنا ما أحببتُم، فلكم الكرامة والمواساة، فأقاموا ثلاثًا، ثم تزوَّدوا وساروا، وكان أهل البصرة وأهل المدائن قد ساروا خلفهم، فلما انتهوا إلى هِيت؛ بلغهم خبرُ الوقعة، فعادُوا. ولما وصل القوم إلى الكوفة؛ وجدوا المختار محبوسًا (٣).

وبعث ابنُ زياد برأس ابن صُرَد وابن نَجَبَة إلى مروان، فصمعد المنبر وقال: قد أهلك الله رؤوس الضلالة سليمان وأصحابه. وعدَّهم (٤).

ولما قدم التوَّابون الكوفة كتب إليهم المختار من الحبس: مرحبًا بالعَصَب الذين أعظم الله لهم الأجر، ورضيَ عنهم، أما وربِّ البَنِيَّةِ التي بنى ما خطا أحدٌ منكم


(١) جاء في المصادر أن الذي رماه بسهم فقتله هو يزيد بن الحُصين. ينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٥، و"تاريخ" الطبري ٥/ ٥٩٩، و"مروج الذهب" ٥/ ٢١٦ - ٢١٧، و"الكامل" ٤/ ١٨٣.
(٢) ينظر "تاريخ" الطبري ٥/ ٦٠٢.
(٣) المصدر السابق ٥/ ٦٠٥.
(٤) المصدر السابق.