للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قصدت الخوارجُ البصرة، فبينما هم كذلك؛ إذ قدم المهلَّب بنُ أبي صُفْرة من عند عبد الله بنِ الزُّبير بعهده على خُراسان، فقال الأحنفُ بنُ قيس للحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: واللهِ ما لهم غيرُ المهلَّب. فكلَّموه في ذلك، فقال: هذا عهدُ ابنِ الزُّبير معي على خُراسان، ولم أكن لأَدعَ أمرَه.

فاتَّفق الأحنفُ والحارثُ والأشرافُ على أن يفتعلوا كتابًا على لسانِ ابنِ الزُّبير يأمرُه فيه بقتال الخوارج. فكتبوه، وفيه:

أمَّا بعد، فإن الحارثَ بن عبد الله كتب إليَّ يُخبرُني أنَّ الأزارقة أصابُوا جندًا من المسلمين، وأنهم قد أقبلوا نحو البصرة، وكنتُ قد وجَّهْتك إلى خُراسان وكتبتُ عهدك، وقد رأيتُ أن تتولَّى قتال الخوارج، فإنَّ الأجر فيه أعظمُ من مسيرك إلى خراسان.

فلما قرأ المهلَّب الكتاب قال: واللهِ لا أسيرُ إليهم حتى تجعلُوا لي ما غلبتُ عليه، وتُقوُّوني من بيت المال، وأنتخبُ من فرسانكم ووجوهِكم مَنْ شئتُ. فأجابُوه إلا طائفة من بكر بن وائل ومالك بن مسمع، فحقَدَها عليهم المهلَّب.

وسار إلى الخوارج، فخندَقَ عليه واحترزَ، فلم يظفروا منه بشيء، فكانَ أشدَّ عليهم من جميع مَنْ قاتلَهم، ولم يزل يقاتلُهم ويظهرُ عليهم حتى انهزموا مقتولين مسلوبين إلى أرض كَرْمان، ونواحي أصبهان (١).

وأقام المهلَّب بالأهواز حتى عُزل الحارثُ بنُ عبد الله -المعروف بالقُبَاع- عن البصرة، وجاء مصعبُ بنُ الزبير عاملًا عليها، وبلغَ ابنَ الزُّبير أنَّ أهل البصرة افتعلوا ذلك الكتاب، فلم يقل شيئًا، وسُرَّ بقتل الخوارج وهزيمتهم إلى كَرْمان، وكتبَ إلى المهلَّب فشكره.

ولما هزم المهلَّبُ الأزارقة كتب إلى الحارث كتابًا يخبره فيه بما جرى، وبدأ باسم الحارث، فقال: للأمير الحارث من المهلَّب.


(١) ينظر الخبر مفصلًا في "أنساب الأشراف" ٦/ ٢٥٢ - ٢٧٠، و"تاريخ" الطبري ٥/ ٦١٣ - ٦١٩.