للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طاعتكم وجهادكم عدوَّه، حتَّى كان اللهُ الغالبَ على أمره، وقد أشرتُم عليَّ بالخروج، وقد رأيتُ أنْ أخرجَ في هذه الساعة. فقال له شَبَث بنُ رِبْعيّ: جزاك الله من أمير خيرًا، فقد -واللهِ- عففتَ عن أموالِنا، وأكرمتَ أشرافَنا، ونصحتَ لصاحبك، وقضيتَ الذي عليك، وما كنَّا لنفارقَك إلَّا ونحن منك في إذن.

ثم خرج، وخلَّى القصر وما فيه، وقال أصحابه لابن الأشتر: نحن آمِنُون؟ قال: نعم. فخرجوا، فبايعوا المختار (١).

وجاء المختار، فدخل القصر، وثابَ إليه النَّاس، فصعد المنبر وقال:

الحمد لله الذي وعدَ وليَّه النصر، وعدوَّه الحصر (٢) وعدًا مفعولًا، وقضاءً مقضيًّا، وقد خابَ من افترى، أيُّها النَّاس، إنَّه قد رُفعَتْ لنا راية، ومُدَّتْ لنا غاية، فقيل لنا في الراية أنِ ارْفَعُوها ولا تضعوها، وفي الغاية أنِ اجْرُوا إليها ولا تَعْدُوها. فسمعنا دعوةَ الدَّاعي، ومقالةَ الواعي.

وذكر كلامًا [طويلًا] في هذا المعنى وقال: والذي جعل السماء سقفًا مكفوفًا (٣)، والأرضَ فِجاجًا سُبُلًا، ما بايعتُم بيعة بعد بيعةِ عليِّ بن أبي طالب ﵁ وآلِه أهدى من هذه.

وبايعه النَّاس على كتاب الله وسنة رسوله، والطلبِ بدماء أهلِ البيت، وجهادِ المُحِلِّين، والدَّفعِ عن الضعفاء والمظلومين.

وكان ابن مطيع قد نزل دار أبي موسى، وجاء عبد الله بنُ كامل إلى المختار فقال: أعلمتَ أنَّ ابنَ مطيع في دار أبي موسى؟ فلم يجبه بشيء، وكان ابنُ مطيع صديقًا للمختار، فلما جاء المساء بعثَ المختار إلى ابنِ مطيع بمئة أَلْف درهم، وقال له: تجهَّزْ بهذه واذهب، فإنِّي قد علمتُ بمكانك، وأنه ما منعك من الخروج إلَّا ضِيقةُ ذاتِ يدك، فاخْرجْ.


(١) ينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٥٢ - ٥٣، و"تاريخ" الطبري ٦/ ٢٩ - ٣٣، والكلام مختصر من روايته.
(٢) في المصدرين السابقين: الخُسر.
(٣) في (خ): سقفًا محفوظًا مكفوفًا. وفي (ص): السماء بروجًا وسقفًا مكفوفًا. والمثبت من (أ) وهو الموافق لما في المصدرين السابقين وما سلف بين حاصرتين من (ص).