للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقيَّده وحبسه بجبل دُنْباوَنْد، ثم قتله أفريدون بعد ذلك.

والفرس تزعم أنَّه مقيَّد إلى الآن بذلك الجبل. وكان مُلك الضحَّاك لست مئة سنة.

وقال ابن الكلبي: لما ظفر أفريدون بالضَّحَّاك قال له: أتريد أن تقتلني بجدِّك جَم شِيد؟ فقال له أفريدون: لقد سَمَت بك نفسك إلى مقام عظيم حيث نسبتها إلى جدِّي، إنما أريد أَن أقتلك بثورٍ كان في دار جدِّي جَم شِيد.

وفي رواية: أن أفريدون لما جلس على سرير الضحَّاك سمَّى ذلك اليوم مهرجانًا.

ولم ينقل من سيرة الضحَّاك ما يستطرف غير واقعة واحدة، وهي أنَّه لما اشتدَّت وطأته وطالت أيامه، تراسل وجوه الناس في أمره، واجتمع الأكابر والعظماء إلى بابه، وكان فيهم كابي، فقدَّموه بين أيديهم لأنه كان جريئًا في الكلام، واستأذنوا عليه فأذن لهم، فدخلوا عليه، فلم يسلِّم عليه كابي بل قال له. أسلِّم عليك سلام من يملك الأقاليم كلها أم سلام من يملك هذا الإقليم؟ فقال: بل سلام من يملك الأقاليم كلها، فقال له: فإذا كنت تملك الأقاليم كلها فلمَ خصصت هذا الإقليم بنوائبك ومؤونتك؟ وهلَّا ساويت بينه وبين الأقاليم؟ ثم عدَّد أشياء، وصدَّقه الضحاك ووعد الناس بما يحبُّون وانصرفوا. وكانت له أمّ جبَّارة، وكانت تسمع ما يجري، فلمَّا خرجوا أنكرت عليه وقالت: لقد جرَّأتهم عليك، هلَّا قتلتهم؟! فقال لها -مع عتوِّه وتجبُّره-: إنَّ القوم بدهوني بالحقِّ، فلمَّا هممت بالسَّطوة بهم وقف الحقُّ بيني وبينهم كالجبل فحال بيني وبين ما أردت منهم (١).

فصل في أَفريدون (٢)

واختلفوا فيه، والأصح أنه التاسع من ولد جَم شِيد. وكان شجاعًا جوادًا سائسًا للملك، شديد القوى، حسن الصورة، وهو أوَّل من أظهر علم الطِّب، وقرَّر أحكام النجوم، وذلَّل الفيلة للحرب وقاتل عليها، وأول من وضع الحمام للأخبار (٣)، وأوَّل


(١) "تاريخ الطبري" ١/ ٢١٤.
(٢) انظر في قصته: "تاريخ الطبري" ١/ ٢١٢، و"تجارب الأمم" ١/ ١٠، و"المنتظم" ١/ ٢٤٥، و"الكامل" ١/ ٦٤.
(٣) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٢١٢، و"الكامل" ١/ ٦٤.