للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واقتتلُوا أشدَّ قتال إلى الليل، فقُتل عامةُ أصحاب المختار، وقُتل محمَّد بن الأشعث في تلك الليلة، وتفرَّق عن المختار أصحابُه، فقيل له: أيُّها الأمير، القصرَ القصرَ، فقال: واللهِ ما خرجتُ منه وأنا أريدُ أن أعودَ إليه، ولكن هذا حكم الله. وسار إلى القصر فدخله.

وجاء مصعب، ففرَّقَ القبائل في الجَبَابِين (١)، ومنع المختارَ المادَّةَ والماء، فكان يشربُ هو وأصحابُه الماء من البئر.

ثمَّ قال مصعب: اقْرَبُوا من القصر، فقَرُبُوا واقتسموا المحالّ، وكان المختار يخرجُ فيقاتلُهم.

واشتدَّ عليهم الحِصار، وانقطعت عنهم المادَّة، فقال المختار لأصحابه: إنَّ الحِصارَ لا يَزِيدُنا إلا ضعفًا، فانْزِلُوا بنا فلنقاتل حتى نُقتلَ كرامًا إنْ متنا (٢)، وواللهِ ما أنا بآيس -إنْ أنتُم صدقتموهم- أن ينصرَكم الله.

قال: فضعُفوا ووَهَنُوا، فقال [المختار]: أمَّا أنا، فواللهِ لا أُعطي بيدي. فأرسلَ إلى امرأته أمِّ ثابت بنت سَمُرة بن جندب الفزاري، فأرسلَتْ إليه بطيب كثير، فاغتسلَ وتطيَّبَ وتحنَّط، ثمَّ خرج في تسعةَ عشرَ رجلًا، فيهم السائب بن مالك الأشعري -وكان خليفتَه على الكوفة إذا خرج عنها- فقال المختار للسائب: إنما أنا رجلٌ من العرب، رأيتُ ابنَ الزبير قد انْتَزَى على الحجاز، ونجدةَ الحروريَّ على اليمامة، ومروانَ على الشام، فلم أكن دون أحد منهم، فأخذتُ هذه البلادَ، فكنتُ كأحدهم إلا أنَّني طلبتُ بثأر أهل بيتِ رسولِ الله ، وقتلتُ قَتَلَتَهم، ومن شَرَكَ في دمائهم، وبالغتُ في ذلك إلى يومي هذا. ثمَّ حملَ على القوم فضاربهم بسيفه [حتى قُتل] (٣).


(١) جمع جَبَّانة، وهي: جَبَّانة السَّبِيع، وجَبَّانة كِنْدة، وجَبَّانة مُراد. . . ينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٩١ - ٩٢، و"تاريخ" الطبري ٦/ ١٠٤ - ١٠٥.
(٢) في "تاريخ الطبري" ٦/ ١٠٦: إنْ نحن قُتلنا.
(٣) تاريخ الطبري ٦/ ١٠٧ وما بين حاصرتين منه. وينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٩٢ - ٩٣.