للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان طول الرجل منهم خمس مئة ذراع وإلى عشرة أذرع (١).

فلمَّا عصوا منعهم الله القطر ثلاث سنين، وأعقم أرحام نسائهم حتى هلكوا من الجدب، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى مكة من يستسقي لنا، وكان لهم ثلاثة أصنام يعبدونها يقال لها: صمود وصداء والهباء -قال قتادة: وكان يقال لملكهم الخلجان، وكانوا مع هذا يعظِّمون الكعبة ويستسقون عندها -فبعثوا سبعين رجلًا فيهم جماعة من أعيانهم: قيل، ولقيم، وجلهمة، ولقمان بن عاد، ومرثد بن سعد، وكان يكتم إيمانه، فنزلوا على بكر بن معاوية، وكان خارج الحرم فأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، وبكر بن معاوية من العمالقة من أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وقيل: ابن عمليق بن سام -وقد ذكرنا الخلاف فيما تقدَّم في ولد سام- فأقاموا عنده شهرًا يأكلون ويشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان -مغنيتان كانتا لبكر- فلمَّا طال مقامهم عنده قال: هلك أخوالي وأصهاري -يعني الذين بعثوا هؤلاء- وهؤلاء أضيافي وما أدري ما أصنع، واستحيى أن يأمرهم بدخول الحرم ليستسقوا، فشكا ذلك إلى قينتيه فقالتا: قل شعرًا نغنِّيهم به، فقال: [الوافر]

ألا يا قَيلُ ويحكَ قُمْ فهينِمْ … لعلَّ الله يمنحُنا غَماما

فيسقي أرضَ عادٍ إنَّ عادًا … قد امسَوا ما يُبينون الكَلاما

من العطشِ الشَّديد فليسَ يرجُو … به الشيخَ الكبيرَ ولا الغلاما

وقد كانت نساؤهمُ بخيرٍ … فقد أمسَت نساؤهمُ أيامى

وأنَّ الوحش تأتيهمْ جهارًا … ولا تخشى لعاديِّ لسِهاما

وأنتم ها هنا فيما اشتهيتُم … نهاركمُ وليلكمُ التَّماما

فَقُبِّح وفدكم من وقد قومٍ … ولا لقُّوا التحيةَ والسَّلاما

فغنتهم الجرادتان به، فلمّا سمعوه قالوا: ويحكم، ادخلوا الحرم فاستسقوا لقومكم فقد هلكوا، فقال مرثد: إنكم والله ما تسقون بدعائكم، ولكنكم إن أطعتم نبيكم


(١) كذا هو في (ل)، ولم نقف على من ذكر هذا القول، اللهم إلا ما ذكره السمعاني في "تفسيره" ٥/ ٣١٢ فقال: وفي القصة أن طول الواحد منهم كان ستمائة ذراع وخمسمائة والأقصر ثلاثمائة ذراع.
وذكر طولهم ابن الجوزي في "التبصرة" ١/ ٧٨ وقال: كان طول الرجل منهم اثني عشر ذراعًا.