للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أبيات (١).

وقال العُتبي: استعمل مروان بنُ الحَكَم رجلًا من قريش، يقال له: عَمرو (٢)، على صدقات بني كعب، فأتاه المجنون فقال: أُحِبُّ أن أخرج معك، وأتجمَّلَ بك عند قومي. فقال: نعم. فقيل لعَمرو: إنَّ قَصْدَه أن يخرج معك إلى حيِّ ليلى، وقد استعدى عليه أهلُها السلطانَ فأهدرَ دَمَه إنْ جاءهم، فمنعَه عَمرو الخروجَ معه، وأعطاه قلائصَ من الصدقة، فأبَى أنْ يأخذها وقال:

ألا حُجِبَتْ ليلى وآلى أميرُها … يمينًا عليه (٣) جاهدًا لا أزُورُها

وإني لمَجلُوبٌ إلى الشَّوق كلَّما … بدا ليَ من أعلام ليلى رُسُومُها (٤)

وأوعدَني فيها رجالٌ أبوهُمُ … أبي وأبوها خُشِّنَت لي صدورُها

على غير شيءٍ غيرَ أني أُحبُّها … وأنَّ فؤادي عند ليلى أسيرُها (٥)

بَكَيتُ فأنزفْتُ الدموعَ من البُكا … فقد حُرِّقَتْ عيني وغُشِّي بصيرُها

فما رَحِمَتْ يوم التفرُّقِ عَبْرَتي … وقد كاد يبكي رحمةً لي بعيرُها

وبعضُهم يروي في هذه الأبيات بيتًا آخر، وهو:

وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تَبَرْقَعَتْ … وقد رابني عند الغَداةِ سُفُورُها (٦)

وليس البيت للمجنون، إنما هو لتَوْبةَ بن الحُمَيِّر، وقد ذكرناه في ترجمته.

وقال ابن الكلبيّ: خرج في رُفقة، فمرُّوا بمفرق طُرُق، أحدُها يأخذُ إلى ناحية ليلى، وبين الطريق وبين حيِّ ليلى ليلة، فسألهم أن يسلكوا به تلك الطريق، فأبَوْا، فقال: لو ضلَّ بعيرُ أحدِكم؛ أما كنتُم تقفون عليه حتى يَنْشُدَ ضالَّتَه؟! ثم قال:

أَرُوحُ بِشَجْوٍ ثم أغْدُو بمثلهِ … ويعتادُ نفسي أَنَّةٌ وزَفِيرُ


(١) الأغاني ٢/ ٣٨، والديوان ص ٢٩٥.
(٢) الخبر بنحوه في "الأغاني" ٢/ ١٦. وفيه: عمر بن عبد الرحمن بن عوف.
(٣) في "الأغاني" ٢/ ٦٨: عليَّ يمينًا.
(٤) كذا أُقحمَ هذا البيت هنا، وواضح أنه من قصيدة أخرى (لاختلاف الرَّويّ) هي في "الديوان" ص ٢٥٢ - ٢٥٣. وهذا الشعر والكلام قبله وبعده من (م) وحدها.
(٥) هذا البيت، والأول والثالث في "الأغاني" ٢/ ٦٨ (بنحوها)، وفي "المنتظم" ٦/ ١٠٦.
(٦) ينظر "الديوان" ص ١٤٦ - ١٤٨.