للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِباب الذهب والفضة مرصعة بالجواهر واليواقيت، مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق المسك، وترابها الزعفران، ونظر إلى الأزقة وإذا فيها الشجر مثمر، وتحته أنهار مطردة تجري في قنوات من فضة، فقال الرجل: إنّ هذه هي الجنَّة، فحمل من لؤلؤها وياقوتها ومسكها ما قدر عليه وخرج، فركب راحلته وعاد إلى اليمن، فأَظهر ما كان أخذه، وبلغ معاوية بن أبي سفيان ذلك فأرسل إليه، فلمَّا دخل عليه قصَّ عليه القصَّة، فأنكر معاوية بن أبي سفيان ذلك وأرسل إلى كعب الأحبار، فلما حضر قال له: يا أبا إسحاق، هل تعرف في الدُّنيا مدينة من ذهب وفضَّة -وذكرها على الوصف- فقال: نعم أنا أخبرك بها وبمن بناها، إنما بناها شدَّاد بن عاد، واسمها إرم ذات العماد التي وصفها الله Object في كتابه، فقال معاوية (١): فحدِّثني حديثها، فقال: إن عادًا الأول كان له ابنان: شديد وشدَّاد، وهلك عاد وملك شديد، فبقي زمانًا ثم مات، وملك شدَّاد ودانت له الأمم وملك الدنيا، وكان مولعًا بقراءة الكتب، كما مرَّ بذكر الجنَّة دعته نفسه إلى بناء مثلها، عتوًّا على الله، فأمر ببناء إرم ذات العماد، وأَمَّر على بنائها مئة قهرمان، مع كل قهرمان ألف من الأعوان، ثم قال: انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها فاعملوا لي مدينة من ذهب وفضة وزبرجد ولؤلؤ، تحتها أعمدة من زبرجد، وفوق القصور غرف، ومن فوق الغرف غرف، واغرسوا تحت القصور وفي أزقَّتها فنون الثمار، وأَجروا تحتها الأنهار، فإني أسمع في الكتت صفة الجنَّة، وأريد أن يكون لي مثلها، قالوا: ومن أين لنا الذهب والفضَّة والجواهر؟ فكتب إلى ملوك الدنيا -وكان تحت يده مائتان وستون ملكًا- فأمر أن يحملوا إليه من الجواهر واليواقيت والذهب والفضة ما يقدرون عليه، ففعلوا فخرج القهارمة وتبددوا في الأرض ليتخيَّروا أطيبَ مكان، فإذا هم بأرض طيبة الهواء، خاليةٍ عن الجبال والتلال، وفيها أنهار مطَّردة، وتربتها صحيحة، فقالوا: هذه صفة الأرض التي أمر الملك ببناء المدينة فيها، فوضعوا أساسها من الجزع اليماني، وبنوها بالذهب والفضة، وأجروا مياهها في قنوات الذهب والفضة، وأقاموا في بنائها ثلاث مئة سنة. وعاش شدَّاد تسع مئة سنة، فلمَّا كمل بناؤها كتبوا إليه: قد كملت فما ترى؟ فكتب إليهم: ابنوا عليها حصنًا، وابنوا حول الحصين ألف قصر يكون


(١) في (ب): "بعضهم".