للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عمَّار بن أبي عمَّار: كانَ ابنُ الزبير يصومُ عَشَرَة أيَّام لا يُفطر، وإذا دخل رمضان أكل أكلةً في نصف الشهر، وكان يُؤْتَى بثَرِيدة في صَحْفَة عليها عَرْقان، ويؤتى الناسُ بالجِفان، فتُوضعُ بين أيديهم، فيقول: أيُّها الناس [هلمُّوا] ويشيرُ إلى ما بين يديه [ويقول:] هذا من خالص مالي، وهذه الجِفانُ من بيت مالِكم (١).

وقال ابنُ عبد البر (٢): كان عبدُ الله بنُ الزبير كثيرَ الصلاة والصوم، شديدَ البأس، كريمَ الطَّرَفَين من الآباء والأجداد والجدَّات والأمَّهات والخالات، إلا أَنه كانت فيه خِلالٌ مباينةٌ لما حاول من الخلافة [لأنه لا يصلح لها؛ من ضيق العَطَن، والبخل، وسوء الخلق، والحسد، وكثرة الخلاف].

وكان عبدُ الملك يقول: إنَّ ابنَ الزبير كثيرُ الصلاة والصوم والعبادة، ولكنه لشحِّه لا يصلح أن يكون سائسًا. يعني يسوس الناس.

[وقال الهيثم: جاءه أعرابي فقال: افرض لي. فقال: لا، حتَّى تُقاتل. فقال: لا والله، لا أجعل قتالي نقدًا ودراهمك نسيئة.

قال: وقاتل بين يديه رجل قتالًا شديدًا كسر ثلاثة رماح، ثم جاءه فقال: أعطني رمحًا. فقال: ما تبقَّى بيت المال على هذا إلا قليل فمضى ولم يعطه شيئًا.

وقال الشعبي: ولَّى ابنُ الزُّبير الحارث بن الحُصين الجعفي وادي القرى وقال: احتفظ بالتمر. فأكله الناس. فلما قدم عليه قال: أين التمر؟ قال: أكله المسلمون. فقام إليه، فجعل يضربه بالدِّرَّة ويقول: أكلت تمري، وعصيت أمري!] (٣).

وقال ابنُ أبي مُلَيْكَة: كان بين ابن عبَّاس وبين ابن الزَّبير شيء، فغدوت على ابن عبَّاس فقلتُ: تريدُ أن تُقاتلَ ابنَ الزُّبير، فتُحِلَّ ما حرَّم اللهُ (٤)؟! فقال: معاذَ الله، إن الله كتبَ


(١) طبقات ابن سعد ٦/ ٤٨٥، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ص ٤١٦، ونُسب الخبر في (م) لابن سعد. قولُه: عَرْقان، مثنّى عَرْق، وهو عظم أُخذ عنه معظم اللحم، وبقي عليه لحوم رقيقة طيِّبة.
(٢) الكلام لعلي بن زيد بن جُدعان، نقله عنه ابن عبد البر في "الاستيعاب" ص ٤٠٥.
(٣) من قوله: وقال الهيثم … إلى هذا الموضع (وهو ما بين حاصرتين) من (م) ولم يرد فيها الكلام الآتي بعده حتى فقرة: ذكر مقتله .. وينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ١٣ و ٢٢٨.
(٤) في "صحيح" البخاري (٤٦٦٥)، و"أنساب الأشراف" ٣/ ٤٥: فتحلَّ حَرَمَ الله.