للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبدُ الرحمن أن يُخندق عليه، وأشارَ المهلَّبُ بذلك، فأبى أصحابُ عبد الرحمن عليه، وقالوا: إنما خندقُنا سيوفُنا (١).

وأراد الخوارجُ تبييتَ المهلَّب، فمنعَهم الخندق، فمالُوا نحو عبد الرحمن، فوجدوه لم يُخندق، فقاتلوه فانهزمَ عنهْ أصحابُه، فقاتل في بقية أصحابه فقُتل وقُتِلُوا حولَه، فقال شاعر الخوارج:

لِمَنِ العَسْكَرُ المُكلَّلُ بالصَّرْ … عَى فهُمْ بين ميِّتٍ وقَتِيلِ

فتراهُمْ تَسْفِي الرِّياحُ عليهِمْ … حاصِبَ الرَّمْلِ بعد جَرِّ الذُّيُولِ (٢)

وقيل: جاءهما كتاب الحجَّاج يوم الأربعاء لعشر بقين من رمضان هذه السنة، فأوقعوا بالخوارج، واقتتلوا قتالًا شديدًا لم يقتتلوا قبلَه مثلَه، وكان بين الظهر والعصر، ومالت الخوارج بحدِّها وحديدها على عسكر المهلب، فأرسل المهلَّبُ إلى عبد الرحمن يستمدُّه، فأمدَّه بالخيل بعد الخيل، والقتالُ يعمل (٣)، فلما كان بعد العصر؛ رحَلَ الخوارج إلى عسكر عبد الرحمن وقد خَف، فجعلوا في مقابلة المهلَّب كتائب منهم، ومالُوا بحدِّهم وحديدهم إلى عبد الرحمن، فلما نظر إليهم عبدُ الرحمن، ترجَّل، وترجَّل معه القراء، وكان عليهم أبو الأحوص صاحب عبد الله بن مسعود، وخُزيمة بن نصر العَبْسي الذي قُتل مع زيد بن علي وصُلب معه بالكوفة، ونزلَ خواص عبد الرحمن معه واقتتلوا، وقد حالت الخوارج بين العسكرين، وبعثَ عبدُ الرحمن ابنه جعفرًا إلى المهلب يخبره، فنادى المهلب في عسكر البصرة: سيروا معه إلى أبيه، فلم يسر معه إلا أُناس قليل، وجاء جعفر إلى ناحية أبيه، فحالت الخوارج بينهم، فقاتل جعفر حتى ارْتُثّ، وصعد عبد الرحمن ومن معه -وكانوا نحوًا من سبعين رجالةً- على تلّ هناك، وجاء الليل والقتال يعمل إلى الثُّلث (٤)، وقد حال الليل بين المهلَّب وعبدِ الرحمن، فمالت الخوارج على عبد الرحمن وأصحابه، فقتلوهم.


(١) تاريخ الطبري ٦/ ٢١١.
(٢) المصدر السابق ٦/ ٢١٢.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٢١٢: فأمده بالخيل بعد الخيل، والرجال بعد الرجال.
(٤) عبارة الطبري: وقاتل عبد الرحمن بن مخنف ومن معه على تلّ مشرف حتى ذهب نحو من ثلثي الليل.