للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا هَمَمْتَ بضربِهِ فَبِدِزَةٍ … وإذا ضَرَبْتَ بها ثلاثًا فاحْبِسِ

واعْلَمْ بأنَّك ما أتيتَ فنفسهُ … مع ما يُجَرِّ عُني أعزُّ الأنفسِ

فليأتينَّكَ عامدًا بصحيفةٍ … نَكْداءَ مثلِ صحيفةِ المُتَلَمِّسِ

فلما قرأ المعلم الصحيفة ضربه ستًّا، فأرسل إليه شريح: أمرتُك أن تضربَه ثلاثًا، فلِمَ ضربتَه ستًّا؟! فقال: ثلاثة لأمرك، وثلاثة لكونه حمل صحيفةً لا يدري ما فيها (١).

وقيل: بعث شُريح إلى المعلم البيتَ الأول، والثاني، والخامس، فحمل الغلامُ الخوف على أنه فتحها، وزاد فيها البيت الثالث والرابع.

ومرَّ شُريح على المؤدِّب، فقال: ما صنعت؟ قال: ضربتُ ثلاثًا ولم أتجاوزْ ما قلتَ. فقال: ما أمرتُ بثلاثٍ ولا بغيرها، فأخرجَ الرقعة وقال: هذه رقعتُك، فنظر إليها وقال: أمَّا الثلاث، فأنا قلتُها، وأما الثالث والرابع، فلا أعرفهما. فقال للغلام: مَنْ عملَ هذَين؟ قَررَه، فقال: أنا. فقال: أردِفْهما بشيءٍ حتى نعلمَ صدقَك. فأخذ الرقعة، وكتب على ظهرها:

يا أيها القاضي الذي ما مثلُه … ممَّن تراهُ قاضيًا في مجلس

ارْفُقْ بمن أسعرتَ خوفًا قلبَهُ … وتركتَه قلقًا بعقلِ مُوَسْوَسِ

إنَّ المعلم لا يقومُ لضربهِ … أحد ومَنْ يصبرْ عليه ينكَسِ

رجلٌ إذا أخذَ العصا فمَدَارُها … ما بين أسْوُقِنا وبين الأرْؤُسِ

لا يرحمُ الطفلَ الصغيرَ لضعفِهِ … وكذا الكبيرُ بكأس ذُل يحتسي

سبحانَ مَنْ خَلَقَ المُعَلم قاسيًا … أهونْ عليك بطَب كل منكَس

فدمعت عينا شُريح. وقال للمعلم: الزَمْ بيتَك. وأحسَنَ جائزَتَه (٢).

وقع الطاعون بالكوفة، فخرجَ صديق لشُرَيح إلى النَّجَف، فكتب إليه شُرَيح:


(١) أخبار القضاة لوكيع ٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨، و "تاريخ دمشق" ٨/ ٥٧ (مصورة دار البشير). وينظر "حلية الأولياء" ٤/ ١٣٧. ولم يرد هذا الخبر في (ص) و (م).
(٢) لم أقف على هذه الرواية، ولم ترد في (ص) و (م).