للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالليل، متى يقطعون سفرَهم؟ قال لهم ذلك مرارًا، فقال شابُّ منهم: واللهِ ما يعني بذلك غيرَنا. ثم اتبعَ ذلك الشاب صِلَةَ، قكان يتعبد معه في الجبان إلى أن مات (١).

[قال الجوهري: والجَبان والجَبانة: الصحراء، فسُمِّيت المقابر جَبَّانة].

وقال جعفر بن زيد: خرجنا في غَزاة (٢) إلى كابُل، وفي الجيش صِلةُ بن أشْيَم، فنزلَ الناس عند العَتَمة، فقلت: لأرْمُقَنَّ عَمَلَه، فأنظرُ ما يذكرُ الناسُ من عبادته.

فصلَّى العتمةَ، ثم اضطجع، فالتمسَ غفلةَ الناس حتى إذا هدأتِ العيون، وثبَ، فدخلَ غَيضةً قريبًا منه، ودخلتُ في أثره، فتوضأ، ثم قام يصلِّي.

[قال:] وجاء أسدٌ، فدنا منه. [قال:] فَصعِدْتُ في شجرة. قال: فتراه التفتَ، أو عنده خبر؟! حتى سجد! فقلت: الآنَ يفترسُه. فجلس، ثم سلم، فقال: أيها السبُع اطلب الرزق من مكان آخر. فولى، وإنَّ له زئيرًا تُصدع الجبالُ منه، وما زال يصلي حتى [أضاء] الصبح، فجلس، فحمد اللهَ بمحامدَ لم أسمع بمثلها. ثم قال: اللهم إني أسألُك أن تُجيرني من النار، فمثلي لا يسألُك الجنَّة. [ثم رجع] وأصبح كأنه باتَ على الحشايا (٣)، وأصبحتُ وبي من الفترة ما اللهُ به عليم (٤).

ونادى الأمير: لا يشدَّنَّ أحد من العسكر، وقد دنونا من أرض العدو. فقام صِلَةُ يصلِّي، وذهبَتْ بغلتُه وعليها ثَقَلُه (٥)، فلما فرغَ من صلاته قال: اللهم بغلتي. فجاءت حتى وقفت بين يديه، والتقينا العدوّ، فهزمناهم.

وقال أبو السَّليل: إنَّ صِلَةَ بنَ أشْيَم حدَّثَه قال: كنتُ أسيرُ على دابة لي؛ إذْ جُعتُ جوعًا شديدًا، ولم أجد أحدًا يبيعُني طعامًا، وجعلتُ أتحرج أنْ أُصيبَ من أحدٍ من الطريق شيئًا، فبينا أنا أسيرُ أدعو ربي وأستطعمُه؛ إذْ سمعتُ وَجْبَةً من خلفي، فالتفتُ،


(١) حلية الأولياء ٢/ ٢٣٨، والتوابين ص ٢٥٠.
(٢) في (ص) و (م): وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بإسناده عن حماد بن جعفر بن زيد، أن أباه أخبره قال: خرجنا في غزاة …
(٣) جمع حَشِية، أي: الفراش المحشو.
(٤) حلية الأولياء ٢/ ٢٤٠، وصفة الصفوة ٣/ ٢١٧، و"المنتظم" ٦/ ١٧٠، وقوله: "ثم رجع" الواقع بين حاصرتين منهما.
(٥) أي: متاعه.