للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجَهّز الحجاج عبدَ الله بن عَلْقمة الخَثْعَميّ إلى الدَّسْكرة (١)، وقال: أقم بها حتى يأتيَك فَلُّ جيش الحارث بن عُميرة الهمْدَاني، وسر إلى شبيب فناجِزْه، ونادى الحجّاج: مَن بات من جيش الحارث الليلة بالكوفة فقد بَرِئت منه الذّمّة، وخرج منهم خمس مئة ولحق الباقون، والتَقَوا على خانِقين، فرتّب شبيب أخاه في الكَمين، والتقَوا فهزمهم شبيب، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وجاء شبيب إلى المدائن، فقتل وسبى، وجهّز إليه الحجاج سَوْرَة بن أَبْجَر في جند كثيف، وقيل لشبيب: جاءك سَورة بن أبجر، فخرج حتى نزل النهروان، وجاؤوا إلى مصارع إخوانهم الذين قتلهم أمير المؤمنين ، فبكوا عليهم وأطالوا البكاء، وترحّموا عليهم، واستغفروا لهم، وتبرَّؤوا من أمير المؤمنين وأشياعه، ثم قطعوا جسر النَّهروان، ونزلوا من جانبه الشرقي.

وجاء سورة فنزل قريبًا منهم، وقال لوجوه أصحابه: إنهم إن لَقَونا على ظهور الخيل ربما ظهروا علينا، وقد بلغني أنهم في مئة رجل يزيدون قليلًا، وقد رأيت أن أسيرَ إليهم في ثلاثة مئة رجل من أقواكم وأشجعكم فأُبَيتهم؛ فإنهم الآن آمنون أن نأتيهم، فلعل الله أن يَصرعهم في مصارع إخوانهم بالنهروان، فقالوا: افعل، فاستخلف على عسكره حازم بن قُدامة الخَثْعَميّ، وسار في ثلاث مئة رجل، وشبيب قد أذكى الحرس (٢)، فلما وصلوا إليهم ركبوا خيولَهم والتقوا، وحمل سَورة وأصحابُه عليهم فثبتوا لهم، وحمل شبيب وهو يقول: [من الرجز]

مَن يَنِكِ العَيْرَ يَنِكْ نَيَّاكا

فلم يظفروا منهم بشيء، ورجع سَورة إلى عسكره وقد أُصيب فرسانه، فعاد إلى المدائن، وجاء شبيب إلى المدائن وقارب البيوت، فخرج الناس، ورَمَوه من السُّطوح بالنَّبْلِ والحجارة، فسار إلى كِلْواذى، ثم منها إلى تكريت وقد خاف الناس منه.

وجاء فَلُّ جيش سَورة إلى الكوفة، فبعث الحجاج الجَزْلَ بن سعيد الكِندي -واسم الجَزْل عثمان- وقال الحجاج: قَبَّح الله سَوْرة؛ ضَيّع العسكر، وخرج يُبيّت الخوارج،


(١) كذا وهو خطأ، فقد روى الطبري ٦/ ٢٢٦ عن هشام، عن أبي مخنف، عن عبد الله بن علقمة، عن سفيان بن أبي العالية الخثعمي أن كتاب الحجاج أتاه ليسير إلى الدَّسْكَرة … ، وانظر أنساب الأشراف ٦/ ٥٨١.
(٢) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): العيون، وتحرف فيها أذكى: لـ أبكى! والمثبت من (ص)، وانظر الطبري ٦/ ٢٢٩.