للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتوعّده، وقال للجزل: سِرْ إلى دير عبد الرحمن حتى يَلْحقك العسكر، فقال: أيها الأمير لا تبعثْ معي من الجند المَفْلول أحدًا؛ فإن الرُّعب قد دخل قلوبهم، فلا ينتفع منهم أحد، فقال الحجاج: لقد أحسنتَ الرَّأي ووُفّقت.

فجهز معه أربعة آلاف ليس فيهم أحد من ذلك الفَلّ، وسار الجَزْل، وقدّم بين يديه (١) عياض بن أبي لينة الكِندي، فخرج حتى أتى المدائن، وسار يطلب شبيبًا في أرض جوخى، وشبيب ينتقل من رُسْداق إلى رسداق، ويماطل الجَزْل لعلَّه يُفَرّق أصحابه، ويتعجّل إليه، والجَزْل لا يَثْبت بمكان إلا وخَنْدَق عليه، ولا يسير إلا على تعبية.

وكان شبيب في مئة وستين رجلًا، وجاءه الخبر أن الجَزْل قد نزل ديرَ يَزْدَجِرد قريبًا من أصحابه، وقال: أريد أبيّتهم الليلة على كلّ حال، وجعل على كل أربعين من أصحابه رجلًا، فجعل أخاه مَصادًا في أربعين، وسُويد بن سُلَيم في أربعين، والمُحَلّل ابن وائل في أربعين، وبقي هو في أربعين، وقال لأخيه مصاد: ائتِهم من قِبل حُلوان، وآتيهم أنا من قِبل الكوفة، وأنت يا سُويد من قِبل المشرق، وأنت يا مُحَلِّل من قبل المغرب.

فلما هَدَأت العيون، واستوفت دوابُّهم عَليفها؛ ركبوا وساروا نحو الجَزْل، فوجدوا الجَزْلَ قد أقام عِياض بن أبي لينة (٢) مَسْلَحةً، فقاتلوه حتى ألجؤوه إلى عسكر الجزل، وكان الجزل قد خَنْدَق عليه، فلم يظفروا منه بشيء، وعادوا إلى مواضعهم، ثم عادوا مرةً أُخرى، والجَزْل يُخَندق عليه، وكلما جاؤوا رَشَقوهم بالنَّبل، فساروا إلى جَرْجَرايا والجزل في طلبهم، فلما طال ذلك على الحجاج كتب إلى الجزل يقول:

أما بعد، فإني بعثتُك إلى هذه الطّائفة المارقة الضَّالة المُضلّة، حتى تلقاها فتستأصلها، فوجدت الاحترازَ بالخنادق، والتَّعريس في القُرى أهون عليك، امضِ لما أمرتك به من مُناجزتهم والسلام.


(١) من هنا إلى قوله بعد صفحات: وعجلته إلى عدوه، ليس في (ب).
(٢) في (ص): أمية، وهو خطأ.