للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عَتَاب بن وَرْقاء وزُهْرة بن حَوِيّة جالسَين في القلب على طِنْفِسَة، فغشيهم شبيب، فقال عثمان بن يزيد الكلبي (١) لعتَّاب: يرحمك الله، قد هرب عنك عبد الرحمن بن محمد، وهرب معه أناسٌ كثير فاذهب، فقال عَتّاب: إنه قد فرَّ قبل اليوم، وقاتل عتاب فأبلى بلاءً حسنًا، وانهزم الناس فقال عَتّاب: لم أرَ والله مثلَ اليوم؛ أقلّ مُقاتلًا، وأكثر هُرَّابًا، فسمعه رجل من بني تغلب من أصحاب شَبيب يُقال له: عامر بن عُبَيد بن عمرو (٢)، فقال لشبيب: أظنُّ هذا المتكلّم عَتابَ بنَ وَرْقاء، فقصده شبيب، وحمل عليه، فطعنه فوقع، فكان شبيب هو الذي وَلي قتلَه.

ووَطِئت الخيلُ زُهْرة بن حَوِيّة -وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يقوم- فجاءه الفضل بن عامر الشَّيباني فقتله، فجاء شبيب، فوقف عليه فعرفه، فقال: مَن قتل هذا؟ فقال الفضل: أنا فقال: هذا زُهْرة بن حَوية، أما والله لئن قُتلتَ على ضلالة فلَرُبّ يوم من أيام المسلمين قد حَسُن فيه بَلاؤك، وعَظُم فيه غناؤك، ثم كان في علم الله أن تقتل ناصرًا للظالمين، فقال رجل من بني بكر بن وائل: إن أمير المؤمنين لَيَتَوَجَّعُ لرجلٍ من الكافرين! فقال شبيب: إني لأعرف من قديم أمرهم ما لا تعرف، ولو ثبتوا عليه لكانوا إخوانًا.

ثم أمر شبيب برَفْع السيف عن الناس، ودعاهم إلى البيعة فبايعوه، وهربوا من تحت ليلتهم، وكانوا يُبايعون شَبيبًا وشبيب يقول: إلى بعد ساعة يهربون، فكان كما قال.

وحوى شبيب ما في عسكرهم، وأرسل إلى المدائن فجاءه أخوه مَصاد، فسار نحو الكوفة؛ وكان قد دخل سُفيان بنُ الأَبْرَد وعَسْكَرُ الشام الكوفة، فقوي قلب الحجّاج، واستظهر بهم، واستغنى عن أهل الكوفة، فقام خطيبًا فقال:

يا أهل الكوفة، لا أعَزَّ الله مَن طلب منكم العِزّ، ولا نَصَر مَن طلب منكم النَّصر، اخرجوا عنا فلا تَشهدوا معنا قتال عدوّنا، الحقوا بالحيرة، فانزلوا مع اليهود والنصارى، ولا يُقاتلنّ معنا إلا مَن لم يشهد قتال عَتَّاب بن وَرْقاء.


(١) في الطبري ٦/ ٢٦٥: عمار بن يزيد الكلبي.
(٢) في الطبري ٦/ ٢٦٥: عامر بن عمرو بن عبد عمرو، وفي "أنساب الأشراف" ٦/ ٥٨٧: عمرو بن عبد عمرو من بني تغلب.