للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقبل شبيب حتى نزل الصَّراة، ومضى أخوه مَصَاد وقَعْنَب إلى سُورت - وبها أموال الخراج- فقتلوا عاملها، وأخذوا الأموال، وجاؤوا بالبِدَرِ (١) إلى شبيب، وقالوا: هذه الأموال، فقال: أتيتمونا بفتنة الناس (٢)، فقدف بها في الماء، وتناثر البعض على وجه الأرض.

[ذكر دخول شبيب الكوفة مرّةً ثانية:

قال هشام:] وأقبل شبيب حتى نزل بحمّام أَعْيَن، فدعا الحجاج الحارثَ بنَ معاوية بن أبي زُرعة بن مسعود الثقَفي، وبعث معه ألفَ رجلٍ لم يكونوا شهدوا قتل عَتّاب، وفيهم مئتا رجلٍ من أهل الشام، وبلغ شبيبًا فالتقاه، فقتله وهزم أصحابَه، فعادوا إلى الكوفة.

وجاء شبيب فنزل السَّبَخَة، وبنى مسجدًا في أقصاها، يقال: إنه قائم إلى اليوم، وخرج إليه الحجّاج في أهل الشام، فكَرْدَس شَبيبٌ أصحابَه وكانوا ست مئة، مَصَاد أخوه في مئتين (٣)، وهو في مئتين، وسويد في مئتين، وقال لسويد: احمِل عليهم، فحمل عليهم، فالتَقَوه بأطراف الأسنة، وثبتوا، ثم طعنوهم فانصرفوا، وجاء المحلّل ففعلوا به مثل ذلك، وجاء شبيب ففعلوا به كذلك، وطاعنوه بالرّماح حتى ألحقوه بأصحابه، فنادى شبيب:

يا أهل الإسلام؛ إنما شَرَينا أنفُسنا لله تعالى، ومَن شَرَى نفسَه لم يَكْثر (٤) عليه ما أصابه من الألم في جنب الله، الصبر الصبرَ، شَدّةٌ كشَدّاتكم في مواطنكم الكريمة، وحملوا معه على أصحاب الحجاج، واقتتلوا قِتالًا لم يُرَ مِثلُه، وأهل الشام يَدفعون شبيبًا وأصحابه، فلما رأى ذلك صاح: الأرضَ الأرضَ، فترجَّلَ وتَرجَّلَ أصحابُه، وقد دفعهم أهل الشام إلى آخر السَّبَخة.


(١) في الطبري ٦/ ٢٦٧: بالبدور. قلت: وكلاهما جمع بَذرَة؛ كيسٌ فيه ألف أو عشرة آلاف درهم، سُمِّيت ببَدْرَة السَّخْلة، يعني جلدها.
(٢) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): أسمونا تعبية الناس؟! والمثبت من الطبري ٦/ ٢٦٧.
(٣) بنحوه في الطبري ٦/ ٢٦٩ وفيه المحلل بدل مَصَاد، وما سلف بين معكوفين من (ص) و (م).
(٤) من هنا إلى قوله: ولا بلغ الحجاج كبر (بعد صفحة) وقع في (ص) و (م) في أثناء ترجمة شبيب آخر السنة، وقد زدت منها ما بين معكوفين.