للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أظهر آزر أنه ابنه وأنه كان غائبًا عنه رقَّ عليه أبوه، وكان أبوه يعمل الأصنام فيعطيه الصنم ليبيعه، فيخرج به إلى السوق فيقول: من يشتري مني ما لا ينفعه ويضرُّه، كذا روى وهب (١).

وذكر جدي في "التبصرة": أنه كان يقول: من يشتري من يضره ولا ينفعه (٢).

ثم يأتي بها إلى النهر فيضرب رؤوسها ويقول: اشربي، استهزاء بها وبقومه، لما هم عليه من الضَّلال، حتى فشا عيبه إيَّاها في أهل البلد، وجعل يقول لقومه: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢] أي: مقيمون على عبادتها، ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٣] فنحن نقتدي بهم ونقلِّدهم.

قال ابن عباس: وكان لهم يوم عيد يجتمعون فيه، فخرج معهم ثم ألقى نفسه في الطريق، وقال: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩].

فإن قيل: فكيف نظر نظرة في النجوم؟ قلنا: إنما قصد موافقتهم؛ لأنهم كانوا ينظرون في النجوم، ليتمكن من كسر الأصنام، فلا ينكرون عليه. ومعنى قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ أي: سأسقم؛ لأن الإنسان لا يخلو من السقم. وقيل معناه: إني سقيم عن عبادتها، فكان من المعاريض.

فلمَّا مضوا وتركوه قال: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٧] والكيد احتيال الكائد في ضرِّ المكيد. وكان لهم اثنان وسبعون صنمًا من ذهب وفضة وغير ذلك من الرَّصاص والصُّفر والنُّحاس والخشب وغيرها، وكان كبيرهم من ذهب، وعيناه ياقوتتان. وكانوا في ذلك العيد يذبحون الذبائح ويقربون القرابين، ويضعون الطعام بين يدي الأصنام قبل خروجهم إلى عيدهم، يزعمون للتبرك عليه، فإذا انصرفوا من عيدهم دخلوا عليها فأكلوه.

﴿فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)[الصافات: ٩٠] أي: إلى عيدهم. فدخل إبراهيم دار الأصنام، فكسر الجميع، وعلَّق الفأس في رأس الصنم الكبير، فلمَّا فرغوا من عيدهم دخلوا عليها فرأوها على تلك الحال.


(١) انظر عرائس المجالس ٧٦.
(٢) "التبصرة" ١/ ١٠٦.