للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما عاد ابن الأشعث إلى بُسْت كتب إليه رُتْبيل: أما بعد، فقد كان من مُصاب إخوانكم ما قد علمتم، وما كان عن إرادة مني، وكان مَن يقدم منكم معنا على أمر، ونحن نطلب تلك القاعده، فهي أرفق بنا وبكم، يعني الصلح، فلم يلتفت ابن الأشعث إليه.

وقدم على ابن الأشعث أخوه القاسم بأن محمد من طَبَرِستان، فأعطاه جيشًا، وأمره بالغارة على رُتبيل، فجاء إلى رتبيل رجل من العوب يقال له عُبيد بن أبي سُبيع (١) يرى رأي الخوارج، فقال لرُتبيل: قد جاءك أغدرُ العوب، فتحوَّلْ من مكانك قبل أن يأتيك وأنت غارٍ، فتحوّلَ رُتبيل، وجاء القاسم فلم يجد إلا شيوخًا وعجائز.

وجعل رُتبيل يتأخر، ويدع البلاد وراءه طمعًا أن ينال من ابن الأشعث ما قال من ابن أبي بَكرة، وابن الأشعث لا يُوغل في بلاده، وهو مقيم ببُست، وأخوه القاسم يُغير على أطراف البلاد، لا يوغل خوفًا مما جرى على ابن أبي بكوة، وكتب إلى الحجاج يُخبره الخبر، وأنه لم يَر من المصلحة أن يوغل بالجيش في أرض رتبيل؛ لأنها كثيرة المضايق والشعاب، وأن رتبيل قد ضم جيشه إليه، وهو ينتظر الفرصة، وإنما المصلحة التأني، وفتح بلاده أولًا أولًا.

فكتب إليه الحجاج: يا ابن الحائك الغادر المرتدّ، امضِ لما أمرتُك به من الإيغال في أرض العدو، والسلام.

فغضب ابن الأشعث وقال: يكتب إليَّ ابنُ أبي رِغال بمثل هذا، هو والله الجبان صاحب غَزالة، وأبوه الذَّليل الفار من قتله. وأضمر في نفسه خَلْع الحجاج.

وفيها وُلد أبو حنيفة النعمان بن ثابت.

[واختلفوا فيمن حجّ بالناس في هذه السنة؛ فقال الهيثم:] سليمان بن عبد الملك، [وقال الواقدي وأبو معشر:] أبان بن عثمان بن عفّان، [وكان على المدينة].

وكان على العراق والمشرق كلّه الحجاج، وعلى خراسان المهلّب من قِبل الحجاج، وعلى قضاء الكوفة أبو بردة بن أبي موسى، وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس (٢).


(١) في "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٢٧: عبيد بن أبي سبع.
(٢) ما بين معكوفين من (ص) و (م)، وانظر الطبري ٦/ ٣٢٩ - ٣٣٠.