للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إني] لأرفع نفسي عن جوابك، ولو كلّمني أبوك لأجبتُه، فقال معاوية: كأنك تظن أنك أشرف منه؟ قال: إي والله، ومنك ومن أبيك وجدِّك، فقال معاوية: ما كنتُ أظنُّ أن أحدًا في عصر حَرْب بن أمية أشرف منه، قال. بلى، مَن أكفأ عليه إناءه، وأجاره بردائه، قال: صدقتَ.

قال الزبير: ومعنى هذا أن حرب بن أمية كان إذا خرج في سفر فعَرَضت له ثنيّة أو عقبة تَنحنَح، فلم يتجاسر [أحد أن] يربأها حتى يجوز حرب، فعرضت له ثنيّة، فتقدَّمه غلامٌ من تميم، فتهدّده حرب، فلما قدم مكة التقاه حرب فشدّ عليه، فاستجار الغلام بالزبير بن عبد المطلب فأجاره، وأراد حرب بعد ذلك قتلَ الغلام، فلقي الزبير حربًا، فشدّ عليه ليقتله، فدخل دارَ عبد المطلب مُستجيرًا، فأكفأ عليه عبد المطلب جَفنةَ هاشم التي كان يَهشم فيها الثَّريد، وجمع الزبير إخوتَه، وجلسوا على الباب ينتظرون خروج حَرْب، فأعطاه عبد المطَّلب (١) رداءه وقال: البس هذا فإنهم إذا رأوه عليك لا يَهيجونك، فلبسه حرب، وخرج فنظروا إليه فلم يَهيجوه.

وقال [ابن] سَلّام الجُمحي: اجتمع عبد الله بن جعفر وعمرو بن العاص عند معاوية، فقال عمرو لعبد الله: يابن جعفر، ليَضع منه، فقال له عبد الله: يابن النّابغة، لئن نسبتَني إلى جعفر الطيّار فلستُ بدَعي ولا أبتر، وقد ادّعاك جماعة، ووُلدتَ على فراش مشرك، وفي أبيك العاص نزل: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)[الكوثر: ٣] (٢).

[حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن دُلَف المقرئ قال: أخبرتنا شُهدة بنت أحمد الكاتبة بإسنادها، حدثنا] أبو نضر العُقيلي، عن جماعة من مشايخ أهل المدينة قالوا:

كانت عند عبد الله بن جعفر جارية مغنّية؛ [يقال لها: عمارة، وكان يَجِد بها وَجْدًا شديدًا، فقدم بها الشام]، فحضر عنده يزيد، فغَنّت الجارية، فعشقها يزيد عشقًا عظيمًا، ولم يُمكنه أن يَبوحَ بما في نفسه خوفًا من أبيه، وأقام على ذلك مدَّةً، ولم يطلبها من ابن جعفر خوفًا أن يمنعه إياها، فلم تزل في نفسه حتى مات معاوية، وولي


(١) في النسخ: عبد الملك، وهو خطأ. والخبر في تاريخ دمشق (الجزء المذكور قبل) ص ٣٦ - ٣٧ بنحوه عن الشعبي مطوَّلًا. قوله: يَرْبأها، أي: يشرف عليها.
(٢) بنحوه في تاريخ دمشق ص ٣٩، وما سلف بين معكوفين منه.