للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدثنا غير واحد عن شُهدة بنت أحمد، بإسنادها عن الرِّياشيّ -وذكر القاضي التنوخي الحكاية عن الرياشي- أن بعض أهل البصرة اشترى جارية (١)، فأحسن تأديبَها، وأحبَّها حبًّا شديدًا، وأنفق عليها ماله حتى أَمْلَق، فقالت له: قد أرى ما بك من سوء الحال، فلو بِعتَنْي فانتفعتَ بثمني، وصَلَح حالي أيضًا، فباعها من عمر بن عبيد الله بن مَعْمَر بمئة ألف درهم، وعمر أمير البصوة يومئذ، فلما قبض المال ندم وندمت الجارية، فبكت وقالت (٢): [من الطويل]

هنيئًا لك المال الذي قد أصبتَهُ … ولم يَبقَ في كفَّيَّ إلا تَفكُّري (٣)

أقول لنَفْسي وهي في غَشْيِ كُربَةٍ … أقلِّي فقد بان الخليطُ أوَ اكْثِري

إذا لم يكن في الأمر (٤) عندكِ حِيلةٌ … ولم تجدي بُدًّا من الصَّبر فاصبري

فأجابها مولاها وهو يبكي ولقول: [من الطويل]

ولولا قُعودُ الدَّهرِ بي عنكِ لم يكن … يُفَرِّقُنا شيءٌ سوى الموتِ فاعْذُري

أروحُ بحُزنٍ من فِراقِكِ مُوجِعٍ … أُناجي به قلبًا طويلَ التَّحَيُّرِ

عليكِ سلامٌ لا زيارةَ بيننًا … ولا وَصْلَ إلا أن يَشاءَ ابنُ مَعْمَرِ

وسمعهما ابنُ مَعْمر فقال: قد شئتُ، والله لا فَرَّقْتُ [بينهما أو] بين مُحِبَّين، خُذِ الجاريةَ والمال فهما لك، فأخذهما وانصرف.

[وقال الرياشي:] لقي زياد الأعجم [عمر بن] عبيد الله قبل أن يليَ البصرة، وكان صديقًا له، فقال له عمر: يا أبا أميّة، لو وَليتُ لم أَدَعْك تحتاج إلى أحد أبدًا، فلما ولي عمر البصرة جاءه زياد فقال (٥): [من الطويل]

أبلغْ أبا حَفْصٍ رسالةَ مُحْضرٍ … أتتْ من زيادٍ مُسْتَبينًا كَلامُها

فإنكَ مثل الشمسِ لا سِترَ دونها … وكيف أبا حَفصٍ عليَّ ظَلامُها


(١) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): وقال الرياشي: اشترى بعض أهل البصرة جارية، والمثبت من (ص).
(٢) في (ص) زيادة: هذه الأبيات، والقصة والأبيات في "أنساب الأشراف" ٨/ ٢٤٩، و"تاريخ دمشق" ٥٤/ ٢٣٨ - ٢٣٩، و"التبيين" ٣٣٣، و"المنتظم" ٦/ ٢٤١.
(٣) في (ص): تحسري.
(٤) في (خ) و (ب): المرء.
(٥) في (ص) زيادة: فقال: وعدك، وأنشده أبياتًا من الشعر، فلما تمت قال: سل حاجتك.