للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: فيها توفي]

حُطيط الزَّيات

الكوفي مولى بني ضبّة، كان عابدًا زاهدًا يَصدَع بالحق، وكان متشيّعًا، قتله الحجاج في هذه السنة لتشيّعه أولًا، ولميله إلى ابن الأشعث أخيرًا بعد أن عذبه بأنواع العذاب.

[وقد ذكرنا الإسناد فيما تقدم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبيه قال:] (١) قال له الحجاج: اصدُقْني، قال: سَلْني؛ فقد عاهدتُ الله إن خلوتَ لي لأقتُلنَّك، وإن عذبتَني لأصبِرَنّ، وإن سألتَني لأصدُقَنّ، قال: فما قولك في عبد الملك؟ قال: ما أسْفَهك! تسألُني عن رجلٍ أنت خَطيئة من خطيئاته، وقد ملأتَ الأرضَ فسادًا، فعذّبه بأنواع العذاب وهو صابر.

قال الحجاج: فهل له من حميم؟ قالوا: أمّ وأخ، فوضمع على أمَّه الدَّهَق (٢)، فقال حُطيط: يا أَمة الله اصبري، فقتلها، ثم عذّبه ولم يَنطق، فأخرجه فألقاه على مِزبلة وبه رمق، فاجتمع عليه الناس فقالوا: يا حُطيط، قل لا إله إلا الله، فجعل يُحرِّك بها شفتيه حتى مات.

وقال ابن أبي الدنيا بإسناده إلى عمرو بن قيس قال: لما أُتي (٣) الحجاج بحُطيط -وكان شابًّا أبيض -قال للحجاج: أما تستحي تكذب وأنت أمير؟ فقال له: أحَروريّ أنت؟ قال: ما أنا بحروريّ، ولكني عاهدتُ الله أن أُجاهدك بيدي ولساني وقلبي، فأما يدي فقد فُتَّها، وأما لساني فها تسمع ما يقول، وأما قلبي فالله أعلم بما فيه، فسارّه حَوْشب بن يزيد صاحب شُرطته بشيء، فقال حطيط: لا تسمع منه فإنه غاشٌّ لك، فقال الحجاج: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ قال: أقول فيهما خيرًا، قال: ما تقول في


(١) ما بين معكوفين من (ص). وأخبار حطيط الآتية في الصبر لابن أبي الدنيا (٩٨ - ٩٩) و (١٢٢ - ٢١٨)، و "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٩١ - ٤٩٢.
(٢) خشبتان يعصر بهما الساق في التعذيب.
(٣) في (أ) و (خ) و (د): وقال عمرو بن قيس لما أتي، والمثبت من (ص).