للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الطبقة الثانية من أهل المدينة ومُحدِّثيهم.

وذكره ابن سُمَيع في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام.

وكان جوادًا ذا مُروءةٍ ظاهرة، وكان أبوه قد عَقد له بولاية العهد بعد عبد الملك، وولّاه مصر فأقره عليها عبد الملك، وثَقُل عليه مكانه، فأراد خلعَه ليُبايع لابنه الوليد وسليمان بالخلافة بعده، فمنعه قَبيصَةُ بنُ ذُؤَيب -وكان على خاتم عبد الملك- وقال له: لا تفعل؛ فإنك باعث على نفسك صَوْتًا نَعّارًا، ولعل الموت يأتيه فتستريح منه، فكفَّ عن ذلك ونَفْسُه تُنازعه، فدخل عليه رَوْحُ بنُ زِنْباع الجُذاميّ -وكان أجلّ الناس عنده- فشاوره فقال: لو خلعتَه ما انتَطَح فيها عَنْزان.

فبينا هما على ذلك وقد نام عبد الملك وروح في تلك الليلة، إذ دخل عليهما قَبيصة ابن ذُؤيب ليلًا، وكان لا يُحجب عن عبد الملك، وكانت الأخبار والكتب تأتيه فيقرؤها قبل عبد الملك، فقيل له: قد جاء قَبيصة، فدخل فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز، فاسترجع عبد الملك وقال لرَوْح: يا أبا زُرعة، كفانا الله ما أجمعنا عليه، فقال قَبيصة: إن الرأيَ كلّه في الأناة، وفي العجلة ما فيها، فقال عبد الملك: ربّما كان في العَجَلةِ خيرٌ كثير، ألم تر أمر عمرو بن سعيد؟! ألم تكن العَجَلة فيه خيرًا من التأنّي (١)؟

ثم قال له قَبيصة: قد أتاك ما أردْتَ ولم تَقطع رَحم أخيك، ولم تأت ما تُعاب به، ولم يُظهِر عليك غدرًا، ولم يَسُؤْه عنك السَّماع.

وكان الحجاج قد كتب إلى عبد الملك يُزَيّن له بيعةَ الوليد وسليمان، وأوفد إليه وَفدًا في ذلك منهم، عِمران بن عِصام العَنَزيّ، فقام عِمران خطيبًا، وتكلم للوفد في ذلك، وسألوا عبد الملك، وأنشده عمران: [من الوافر]

أميرَ المؤمنين إليك نُهدي … على النَّأْيِ التحيَّةَ والسَّلاما

أجِبْني في بَنيك يكن جَوابي … لهم أُمْنِيةً ولنا قِواما

فإن تُؤثِر أخاك بها فإنّا … وجَدِّكَ لا نُطيقُ لها تماما

ولكنا نحاذِرُ من بَنيه … بني العَلّاتِ مأثَرَةً سَماما

ونخشى إن جَعلتَ المُلكَ فيهم … سَحابًا أن تَعودَ لهم جَهاما


(١) تاريخ دمشق ٤٣/ ١٩.