للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعرف اللَّحن، وكان ينبغي أن تقول له: مَن خَتَنُك، بالضم، فقال عبد العزيز: أُراني أتكلم بكلام لا تعرفه العرب؟ والله لا شاهدتُ الناس حتى أعرفَ اللحن، وأقام في بيته جمعة لا يظهر؛ ومعه من يعلّمه العربية، فصلّى بالناس الجُمعةَ الأخرى وهو من أفصح الناس.

ثم كان بعد ذلك يُعطي على العربية، ويَحرم على اللحن، فجاءه قوم من قريش من أهل مكة والمدينة زُوّارًا، فجعل يقول للرجل منهم: من أنت؟ فيقول: من بني فلان، فيعطيه مئتي دينار، فسأل رجلًا منهم فقال: من بنو عبد الدار، فقال للكاتب: خُذها من جائزته، فأعطاه مئة دينار (١).

وكان يقول: مَن أمكنني من وَضْع مَعروفي عنده فيَدُه عندي أعظم من يدي عنده، وكان يترنّم بأبيات عبد الله بن عباس: [من الطويل]

إذا طارِقاتُ الهمِّ ضاجَعتِ الفتى … وأعملَ فِكرَ الليل والليلُ عاكِرُ

وباكَرني في حاجةٍ لم يجدْ لها … سِوايَ ولا يُوجَدْ لها الدهرَ ناصرُ

فكان له فَضْلٌ عليَّ بظَنِّه … بيَ الخيرَ إنِّي للّذي ظنَّ شاكرُ

وفي هذا المعنى يقول بشار بن برد: [من الخفيف]

ليس يُعطيكَ للرَّجاء ولا الخَوْ … فِ ولكنْ يَلَذُّ طَعْمَ العَطاءِ (٢)

ومرض عبد العزيز، فدخل عليه كُثَيِّر عَزَّة فقال: [من الكامل]

ونَعودُ سيِّدَنا وسيِّدَ غيرِنا … ليتَ التَّشَكِّي كان بالعُوَّادِ

لو كان يُقْبَلُ فِدْيَةٌ لفَديتُه … بالمصطفى من طارفي وتلادي (٣)

وحدَّ عمرو بن سعيد الأَشْدق عبدَ العزيز في شراب شربه، فوجد عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه لما ولي المدينة إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر في بيت خُلَيدَة العرجاء، فحدّه حدَّ الخمر، فقال له إسحاق: يا عمر، كلُّ الناس جُلِدوا في الخمر، يعرِّض بأبيه (٤).


(١) تاريخ دمشق ٤٣/ ٢١ وما سلف بين حاصرتين منه.
(٢) "العقد الفريد" ١/ ٢٣٠.
(٣) "تاريخ دمشق" ٤٣/ ٢٢.
(٤) انظر "أنساب الأشراف" ٥/ ٣٦٨.