للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر إبراهيم بن المنذر الحِزاميّ، [عن أبيه] قال: وفد عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان (١)، فأقام عنده مدة، فسَمَر ذات ليلة عنده، فذكروا الغناء فذمَّه عبد الملك وقال: قبَّحه الله، ما أوضَعَه للمروءة، وأجرْحَه للعِرْض، وأهدمَه للشَّرَف، وأذهبه للبَهاء، وابن جعفر ساكت، وإنما قال ذلك يُعَرِّض به، وأعانه من حضر (٢)، فقال عبد الملك لعبد الله: يا أبا جعفر، ما بالُك لا تتكلّم؟ فقال: ما أقول ولَحمي يَتَمزَّع، وعرضي يَتَمزَّق، وإنك لتأتي بما هو أعظمُ منه؛ يأتيك الأعرابيّ الجِلفُ الجافي؛ فيقول الزُّور، ويَقذف المُحصَنات، فتأمر له بالألوف من بيت المال، وأنا أشتري الجاريةَ الحسناء فأُؤدِّبها، وأختار لها من الشعر أجودَه، ومن الكلام أحسنَه، فتورده عليّ بصوتٍ حسن، فهل في ذلك من بأس؟ فقال عبد الملك: لا، فأخبرني بشيءٍ من ذلك، فقال:

اشتريت جاريةً حسناء، فبَرَعت في الغناء، وسمع بها يزيد بن معاوية، فبَذل لي فيها أموالًا جزيلة، فلم أبِعْه إياها، فذكرتْ لي عجوز من عجائزنا أن فتى من أهلنا قد شُغِف بها، وأنه يأتي كلَّ ليلةٍ مُستترًا، فيقف تحت الدار فيسمع غناءها، فرَصَدْتُه، فجاء مُستترًا فقعد في مكان، ومَنَعْتُ الجاريةَ من الغناء في تلك الليلة، وقعد مكانه إلى السَّحَر، فغلبته عيناه فنام، فألبستُ الجاريةَ أفخرَ الثياب والحلي، وزيَّنتها، ونزلتُ بها إليه، فأيقظتُه فقام فزعًا مرعوبًا، فقلت: لا بأسَ عليك، خُذها فهي لك، فشَهق الفتى شَهقة خرَّ مَيتًا، فأُسقط في يدي.

فقال له عبد الملك: فما فعلتَ بالجارية؟ قال: تركتُها عندي، وكلما ذكرت الفتى لم أجد لها مكانًا من قلبي، وكرهتُ أن أبعثَ بها إلى يزيد؛ فيعرف حالها فيحقِدَ عليّ، وما زال حالي كذلك حتى ماتت.

ومنهم عبد الله (٣) بن قيس بن شُريح بن مالك بن ربيعة، من بني عامر بن لُؤيّ، من أهل الحجاز.


(١) في (أ) و (خ) و (د): عبد الله وبن جعفر بن أبي طالب وفد على عبد الملك بن مروان، والمثبت من (ص)، وما بين معكوفين من العقد الفريد ٦/ ٥٥.
(٢) في (ص): تعريضًا به وإعانة من حضر.
(٣) كذا في النسخ وطبقات فحول الشعراء ٦٤٧ (٨١٩)، والمشهور أنه عبيد الله وانظر تعليق الشيخ محمود شاكر على الطبقات.