للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيئًا، فقال: قد وَهبتَه أعزَّ من المال وهو النفس، أفتبخَلُ عليه بما هو أهون منه،

فقال: قد أمرتُ بعطائه.

وقال الزبير: قال عبد الملك: والله لا أُعطيه شيئًا أبدًا، فلما خرجا من عنده قال ابن قيس لابن جعفر: ما نفعني أماني وقد تركني حيًّا كميت، لا آخذ مع الناس عطاءً، قال له ابن جعفر: كم بلغتَ من السنّ؟ قال: ستين سنة، قال: وكم تُؤَمِّل أن تعيش؟ قال: عشرين سنة، قال: كم عطاؤك في كل سنة؟ قال: ألفان، فأعطاه أربعين ألفًا وقال: إن عشتَ بعد الثمانين أعطيتك شيئًا آخر (١).

ومنهم عُبَيد بن حُصَين بن جَنْدَل، أبو جندل، الرّاعي النّميري الشاعر، [من بكر بن هوازن]، ولُقِّبَ الراعي لكثرة وصفه للإبل.

[وذكره ابن سلَّام] من الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين (٢)، وكان يَعتَسِفُ الفَلاةَ بغير دليل ومعناه: لا يحتذي شعر شاعر].

وهو القائل لعبد الملك يشكو بعض عُمَّاله: [من البسيط]

أمّا الفَقيرُ الذي أَمْسَت حَلُوبَتُه … وَفْقَ العِيالِ فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ

واختل ذو المالِ والمُثْرونَ قد بَقيتْ … على التَأَثُّل من أموالهم عُقَدُ

فإن رفَعْتَ بهم رأسًا نَعَشْتَهم … وإن لَقُوا مثلَها في عامِهم فَسَدوا (٣)

وكان عبد الملك يقول: انكحوا إلى هذا الشيخ فإني أراه مُنجِبًا.

وكان الراعي في عصر جرير والفرزدق، وله معهما وقائع، فكان تارةً يُفضِّل جريرًا، وتارةً الفرزدق، فالتقاه يومًا جرير فقال: لا تدحْل بيني وبين ابن عمي (٤)، وفيه يقول جرير: [من الوافر]


(١) "الأغاني" ٥/ ٨١ - ٨٢، و"تاريخ دمشق" ٤٤/ ٣٨٦ - ٣٨٦.
(٢) ما بين معكوفين من (ص)، وقوله: من بكر بن هوازن، وقع فيها بعد هذا الوضع، فصار من كلام ابن سلَّام، وليس كذلك، فأعدته إلى حاق عوضعه. وانظر "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٥٠٢ (٦٩٢).
(٣) ديوانه ٦٤ - ٦٥، و"طبقات فحول الشعراء" ٥١١، و"تاريخ دمشق" ٤٥/ ٢٤. السبد: الوبر، يعني لم يترك له شيء، عقد: بقايا قليلة.
(٤) في (ص): فكان تارة يفضل هذا على هذا وتارة هذا على هذا … لا يدخل بيني وبينك أحد ابن عمي؟!