للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، وتكونون فيه أعوانًا للحق، ما أريد أن أقطع أمرًا دونكم، ولا أفعل شيئًا إلا برأيكم، وإن رأيتُم أحدًا يتعدَّى، أو بلغكم عن عامل ظُلامة، فأُحرِّج على مَن بلغه ذلك إلا يُبَلِّغني، فدَعَوا له وشكروه، وجَزَوْه خيرًا، وعلموا أنه قد فُتح عليهم بابُ خير.

فأقام واليًا على المدينة سبع سنين وخمسة، أشهر، يُحضرهم ويستضيء برأيهم فيما يفعل.

وفيها صالح قتيبة بن مسلم نَيزَك التُّركي، واستنقذ منه ألوفًا من الأسرى، وكتب إلى نيزك أن يَقدم عليه، وإنما أراد إذلاله، وتوعَّده في كتابه وتهدَّده إن لم يَقدم، فقدم عليه فأكرمه وأحسن إليه.

ثم غزا قتيبة بِيكَنْد -وهي أدنى مدائن بُخارى إلى النهر، ويقال لها: مدينة التُّجَّار، وهي على رأس المفازة من بخارى- فلما نزل بِعَقْوَتِهم (١) استنصروا بالصُّغْد، واستنجدوا مَن حولهم، فأتوهم في جمع كبير، وأخذوا على قتيبة الطُّرُق والمضايق، فلم يصل إليه رسول، ولا قدر على إنفاذ رسول مدَّة شهرين، وأبطأ خبرُه على الحجّاج، فأشفق عليه وعلى مَن معه، فأمر الناسَ بالدعاء له، وكتب بذلك إلى الأمصار، وأقام قتيبة يقاتلهم كل يوم.

وكان لقتيبة عين فيهم يقال له: تندر؛ أعجمي، فدفع إليه أهل بُخارى مالًا على أن يدفع عنهم قتيبة، فأتاه فقال: أخْلِني، فأخلى المجلس فقال: قد عزل الحجاج عن العراق، وهذا عامل جديد يقدم عليك، فارجع بالناس إلى مرو، وكان عند قُتيبة ضرار بن حُصَين الضَّبِّي، فقال قتيبة لغلامه: اقتل تندر، فضرب عنقه وقال لضرار: والله لئن علم أحدٌ بهذا الحديث قبل أن تنقضي حربُنا لألحقنَّك به؛ فإن انتشار مثل هذا الحديث يَفُتُّ في أعضاد المسلمين.

ثم أصبح الناس على راياتهم، وأنكروا قتل تندر وقالوا: كان ناصحًا للمسلمين، فقال قتيبة: بل كان غاشًّا فأحانه الله بذنْبه، ثم تقدَّم فقاتل، وأنزل الله النصر على المسلمين فهزموهم، ومنح الله قتيبة أكتافهم أَسْرًا وقتلًا، ووصلوا خلفهم إلى بِيكَنْد فتحصَّنوا بها، وأمر الفَعَلَة فشرعوا في تعليقها (٢) ليَهدمَها، فسألوه الصُّلح على مال فصالحهم، واستعمل عليهم عاملًا.


(١) العَقْوَة: المحلَّة. ينظر القاموس (عقا).
(٢) في تاريخ الطبري ٦/ ٤٣١: في أصلها.