للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما سار عنهم قتيبة مقدار خمسة فَراسخ قتلوا العامل ومَن معه، وبلغ قتيبة فعاد إليهم فعَلّق المدينة (١)، فسألوه الصلح فلم يفعل، وهدم سورها، ودخلها عَنوة فقتل مقاتليها، وكان فيها رجل أعور، وهو استَجاشَ الترك، فأخذه قتيبة فقال: أنا أفدي نفسي بخمسة آلاف حَريرة قيمتها ألف ألف درهم، فاستشار قتيبة أصحابه فيه فقالوا: نرى أن فداءه زيادةٌ في غنائم المسلمين، وما عسى أن يَبلغ من كيد هذا؟! فقال قتيبة: والله لا تركته يُرَوِّع مسلمةً أبدًا، ثم ضرب عنقه.

وأصاب قتيبة ببِيكَنْد من الذهب والفضة والجواهر والغنائم ما لم يُصبْه في بلد آخر، وكان فيها صنم فأذابوه، فخرج فيه خمسون ومئة ألف مثقال من الذهب، ورجع قتيبة إلى مرو وقد قسم الغنائم، وأعطى المقاتلة السلاح الذي كان في المدينة، وكتب إلى الحجاج بالفتح.

وفي ذلك اليوم يقول الكميت (٢): [من البسيط]

ويومَ بِيكَنْدَ لا تُحصى عجائبُه … وما بُخاراء مما أخطأ العَددُ

وأقام قتيبة بمرو إلى زمن الربيع، ثم سار في عدّة حسنة إلى بخارى، فعبر النهر من ناحية آمُل من عند زَمّ، فوصل إلى نومُشَكَث من أعمال بُخارى، فأرسلوا إليه فصالحوه على ما أراد.

واختلفوا فيمَن غزا الروم في هذه السنة على قولين:

أحدهما: مَسلمة بن عبد الملك، ففتح حصونًا كثيرة.

والثاني: هشام (٣) بن عبد الملك، ففتح حصن بولَق، والأَخْرَم، وبولس وغير ذلك، وكانت المستَعْرِبة في طريقه، فقتل منهم ألف مقاتل، وسبى نساءهم وذراريهم.

[فصل]: وفيها شرع الوليد في عمارة جامع دمشق.


(١) في الطبري ٦/ ٤٣١: ثم وضع الفعلة في أصل المدينة فعلقوها بالخشب وهو يريد إذا فرغ من تعليقها أن يحرق الخشب فتنهدم.
(٢) في النسخ: الحصيب، والمثبت من الطبري ٦/ ٤٣٢، و"تاج العروس" (كند).
(٣) من قوله: واختلفوا … إلى هنا من (ص)، بدله في النسخ: وغزا مسلمة بن عبد الملك الروم ففتح حصونًا كثيرة، وقيل: غزا هشام.