للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر ابن إسحاق والسُّدي والكلبي وغيرهم: أنَّ الله تعالى لما أهلك قومَ عاد -وهم من العمالقة- خرج من بقي من العرب ومنهم من أرض اليمن، وفيهم جرهم وعليهم السميدع بن هوبر بن لاوي بن قنطور بن كركر بن حَيدان (١) بن عمليق، فنزلوا تهامة، وبعثوا روَّادهم يطلبون الماء، فأشرفوا على وادي مكة فنظروا إلى الطير ترتفع وتنخفض فاستبطنوا الوادي، فنظروا إلى عريش أمِّ إسماعيل على الربوة الحمراء، وفيه هاجر وإسماعيل، وقد زمَّت حول الماء بأحجار، ومنعته من الجريان. فسلَّم الرواد عليها، واستأذنوها في النزول عندها، ويشربون من الماء، فأذنت لهم ورحبت بهم، وحصل لها الإنس، فعادوا إلى من وراءهم فأخبروهم، فجاؤوا ونزلوا، فأضاء لهم نور النبوة من العريش. فلمَّا ترعرع إسماعيل ألهمه الله الكلامَ بالعربية على خلاف لغة أبيه، ووافق القومَ في لغتهم، وتزوَّج منهم امرأةً يقال لها: الجذاء ابنة سعد العملاقي، وهذه الجذاء هي التي سألها إبراهيم عن عيشهم.

وقال وهب: ولما جاءها سلَّم عليها فلم تردَّ عليه السَّلام، وسألها منزلًا فقالت: لاها الله ذا -وسنذكر هذه اللفظة فيما بعد- وهي التي أمره إبراهيم بطلاقها، وقال لها إسماعيل: الحقي بأهلك.

قال وهب: وكانت هاجر باقيةً لما جاء الخليل يطلب ولده، وهذا قول من سمينا.

وقال مقاتل وابن الكلبي: كان على جرهم الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعيد بن الرقيب بن ظالم، فاستوطنوا مكة، وتزوج إسماعيل المرأة الثانية منهم، واسمها سامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف. واستأذن إبراهيم سارَة في زيارة إسماعيل فأَذِنت له، وشرطت عليه أن لا ينزل، فسار على البراق وقيل: على أتان، وكانت هاجر (٢) قد ماتت ولها تسعون سنة، فدفنها إسماعيل في الحجر. ولما أثرت قدما إبراهيم في المقام قال لها: احتفظي به فسيكون له شأن بعد حين فذلك المقام.


(١) في (ب): "جندب".
(٢) في (ب): "سارة".