للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتطوَّقت موضع البيت كطي الجحفة، وهي على مثال الحية.

وعن علي أيضًا قال: جاءت غمامة وناداه منها مثل رأس الإنسان: يا إبراهيم، علّم على ظلّي ولا تزد ولا تنقص.

وقال مقاتل: أيدهما الله بسبعة أملاك حنفاء يعينونهما علي بنائه.

وقال ابن عباس: فبناه من خمسة أجبل: طور سيناء وطور زِيتا -جبل بيت المقدس- وحِراء وأبي قُبيس والجوديِّ، وقيل: ولبنان. وجعل طولَه ثلاثين ذراعًا، وأدخل الحِجر فيه سبعة أذرع. ولما كمل ولم يبق إلا موضع الحجَر قال لإسماعيل: اذهب فأتني بحجر، فذهب ليأتيه فناداه أبو قُبيس: يا إبراهيم إن لك عندي وديعة. يعني الحَجَر الأسود كان قد نزل مع آدم من الجنة، فلمَّا كان الطوفان أودعه جبريل فيه، فلمَّا ذهب إسماعيل ليأتيه بحَجَر جاءه جبريل بالحَجَر من أبي قُبيس فوضعه مكانه، وجاء إسماعيل فقال: يا أبةِ، مَن جاءك بهذا الحَجَر؟ فقال: من لم يَكِلْني (١) علي بنائك، أتاني به جبريل من أبي قبيس.

وقال الترمذي: بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: "نَزَل الحَجَرُ الأسودُ من الجنَّةِ وهو أشدُّ بياضًا من اللَّبنِ، فسَوَّدتْهُ خَطايا بَني آدَمَ" (٢).

فإن قيل: فما الفائدة في بناء البيت من هذه الأجبل البعيدة، وجبال مكة أقرب، مثل أبي قُبيس وحِراء وغيرهما كعرفاتٍ وجبال مِنى؟

فالجواب من وجوه: أحدها: لتشرف هذه الجبال على غيرها. والثاني: ليظهر فضلها. والثالث: أنَّ معناه أن من حجَّ هذا البيت وطاف به وصلى عنده كُتبَ له من الثواب ما لو وزنت معه هذه الجبال لرجح عليها. والرابع: لتشهد لمن حَجَّه كما يشهد الحجر الأسود لمن استلمه.

وقال وهب: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت فقال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ [إبراهيم: ٣٥] الآيات.


(١) في تفسير الطبري ٣/ ٧٠، وتاريخه ١/ ٢٥١، والمنتظم ١/ ٢٧٠: من لم يتكل.
(٢) أخرجه الترمذي (٨٧٧)، وهو عند أحمد في "مسنده" (٢٧٩٥).