للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فقوله: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: ٣٧] ولم يكن هناك بيت.

فالجواب من وجهين، أحدهما: أن معناه عند بيتك الذي كان ها هنا وهذه آثاره.

والثاني: عند بيتك الذي قضي في سابق علمك أنني أجدِّده ها هنا.

فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦].

فالجواب: إنَّ معناه أوَّل بيت وضع للعبادة، ولم يكن قبله بيت يُعبد الله فيه. قال أحمد بإسناده عن أنس وأبي ذرٍّ. قال أبو ذرٍّ: سألت النبي ﷺ عن أوَّل مسجدٍ وُضع في الأرض فقال: "المسجِدُ الحَرَامُ" قلت: ثمَّ أيُّ؟ قال: "المسجِدُ الأقْصَى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربَعُون عَامًا"، انفرد بإخراجه مسلم (١).

* * *

واشتقاق مكَّة من مكَّ الفصيل ضرع أمِّه، إذا امتصَّ كلَّ ما فيه، وأشاروا إلى شدَّة الحرّ بها وقلَّة مائها.

وأمَّا بكَّة فقد اختلفوا فيها، فقال ابن عباس: لأنها تبكُّ رقاب الجبابرة، وقال مجاهد: لازدحام الناس بها. وقال الضحَّاك: لأن الناس يتباكون فيها. وروي عنه أيضًا أنه قال: اسم البلد مكة، وبكة موضع البيت (٢).

وقيل: مكة وبكة واحد؛ لأن الباء تبادل من الميم، كقوله: ضربة لازب ولازم، ونحوه.

والآيات البينات: مقام إبراهيم والحَجَر الأسود والركن وزمزم ونحو ذلك.

قوله تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧] قال ابن خالويه: معناه أي: من دخله فأمِّنوه. وقال ابن عباس: أوَّل من عاذ بالحرم الحيتان الصغار من الكبار في أيام الطوفان.


(١) أخرجه أحمد في "مسند" (٢١٣٣٣)، ومسلم (٥٢٠) من حديث أبي ذر، ولم نقف عليه من حديث أنس.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٢٤، وزاد المسير ١/ ٤٢٥.