للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن تُخلِف لروح فُسطاطَين، ولا تكسرني فيما قدَّمْتَني له، فأخلف له عبد الملك فسطاطين، ولم يُغيِّر على الحجاج شيئًا، وقامت الهيبة (١).

وكتب (٢) الحجاج إلى عبد الملك كتابًا يُعظّمه فيه ويقول: إن الخليفة عند الله أفضل من الملائكة المقرَّبِين، والأنبياء والمرسلين [وذلك أن آدم] خلقَه الله بيده، وأسكنه جنّته ثم أهبطه إلى الأرض، وجعل الملائكةَ رُسلًا إليه، فأعجب عبدَ الملك كتابُه، وعرضه على الحاضرين، فاستهجنوا عبد الملك حيث أعجبه كلامُ الحجاج، ثم قال عبد الملك: ليت لي رجلًا من الخوارج أخاصمه بهذا الكتاب، فقيل له: إن ها هنا خارجيًّا، فأعطاه الأمان، فلما دخل عليه أعطاه كتابَ الحجاج، فقرأه وقال: لعن الله الحجاج؛ قد جعلك خليفة، فمَن ولّاك؟ أعن مَشورةٍ من جميع المسلمين، أم وَثبتَ على الأمر بالسّيف؟! ثم قام فخرج.

[وقال ابن عيّاش:] كتب الحجاج إلى عبد الملك: بلغني أن أمير المؤمنين عَطس، فشَمَّتَه مَن حضر، وأنه ردَّ عليهم، يا ليتني كنتُ معهم فأفوزَ فوزًا عظيمًا.

[وقال هشام:] كتب عبد الملك إلى الحجاج: ليس أحد إلا ويعرف عَيبَ نفسه، فأخبرني ما عيبُك؟ فكتب إليه الحجاج: أنا حَسود حَقود لَجوج، فكتب إليه عبد الملك: حسْبُك، فقد وافقتَ إبليس.

ولما وَلي الحجاجُ العراق بلغ عبدَ الملك إسرافُه في القتل، وأنه يُعطي أصحابه الأموال، فكتب إليه:

أما بعد فقد بلغَني سَرَفُك في الدِّماء، وبَذْلُ الأموال، وهذا فلا أحتمله لأحد من الناس، وقد حكمتُ عليك في القتل العبد بالقَوَد، وفي الخطأ بالدِّيَة، وأن تَرُدَّ الأموال إلى مواضعها، فإنما المال مالُ الله، ونحن خُزَّانه، وسيَّان منع حقٍّ وإعطاء باطل، فلا يُؤمنك إلا الطاعة، ولا يُخيفنّك إلا المعصية، وكتب في أسفل كتابه: [من الطويل]


(١) "العقد" ٥/ ١٤.
(٢) في (ص) وقال أبو بكر بن عباس كتب، وفي العقد ٥/ ٥١ الشيباني عن الهيثم عن ابن عياش قال: كنا عند عبد الملك إذ أتاه كتاب من الحجاج، وما سيرد بين معكوفين من العقد.