للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا أنتَ لم تترُك أمورًا كرهتُها … وتطلبْ رضايَ في الذي أنا طالبُهْ

وتخشى الذي يخشاه مثلُك هاربًا … إلى الله منه ضَيّع الدّرَّ جالِبُه

فإن ترَ منّي غَفلَةً قُرشيَّةً … فيا ربَّما قد غَصَّ بالماء شارِبُه

وإن ترَ مني وَثْبةً أُمويَّةً … فهذا وهذا كلّه أنا صاحِبُهْ

فلا تَعدُ ما يأتيك منّي وإن تَعُدْ … تَقُمْ فاعلمَنْ يومًا عليك نوادِبُه

فلما قرأ الحجاج كتابه كتب إليه: أما بعد، فقد جاءني كتابُ أمير المؤمنين يذكر فيه سَرَفي [في] الدّماء، وتبذيري في الأموال، والله ما بالغتُ في عقوبة أهل المعصية، ولا قضيتُ حقوقَ أهل الطّاعة، فإن يك قَتْلي العُصاةَ سَرَفًا، وإعطائي أهلَ الطاعة تبذيرًا، فليمْضِ في ما سلف، وليُحَدّد في أمير المؤمنين حدًّا فيما يحدث؛ أنتهي إليه ولا أتجاوزه، وكتب في أسفل الكتاب: [من الطويل]

إذا أنا لم أطلبْ رِضاك وأتَّقي … أذاكَ فليلي لا تَوارَتْ كَواكِبُهْ

إذا قارفَ الحجاجُ فيك خطيئةً … فقامت عليه في الصَّباح نَوادِبُهْ

أُسالم مَن سالمتَ من ذي هوادَةٍ … ومَن لم تُسالمه فإني مُحارِبُهْ

إذا إنا لم أُدنِ الشَّفيقَ لنُصحِه … وأُقْصِ الذي تَسري إليَّ عقارِبُه

فمَن يتَّقي يومي وَيرجو إذًا غدي … [على ما أرى و] الدُّهرُ جَمٌّ نَوائبُه (١)

قصة الحجاج مع أم البَنين بنت عبد العزيز [بن مروان:

ذكر علماء السِّيَر أن الحجاج] قدم على الوليد بعد وفاة أبيه عبد الملك، فدخل عليه وعلى الحجّاج دِرْعُه وسلاحُه، والوليد في غِلالة، فجعل يُحدِّثه خاليًا وأمّ البنين تراهما من وراء الستر، فأرسلت إلى الوليد خادمًا، فسارَّه وقال: تقول أم البنين: يدخك عليك الحجّاج مُسْتَلْئمًا وأنت في غِلالة، وقد قتل ما قتل من الناس؟! فضحك الوليد [فقال الحجاج: ما يُضحك أميرَ المؤمنين؟ فقال له وهو يُمازحُه: هذا خادم بنت عميّ يقول كذا وكذا] فقال له الحجاج: يا أمير المؤمنين، دع عنك مُفاكَهةَ النّساء بزُخْرُفِ القول، فإنما المرأةُ رَيحانة وليست بقَهرَمَانة، وإياك أن تُطلعَهنَّ على سِرَّك، ومُكايَدةِ عَدوِّك،


(١) "مروج الذهب" ٥/ ٣٠٨ - ٣١٢، و"تاريخ دمشق" ٤/ ٢٣٢ - ٢٣٣ (مخطوط) وما بين معكوفين منه، جاء بدله في (خ) و (د) بياض، والخبر بطوله ليس في (ص).