للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم أجدها، فدرت في البرية أيامًا فلم أظفر بها، فعدت إلى دمشق، وألجأني الزمان إلى أن أعمل في التراب كل يوم بدرهم، فكيف لا أبكي؟! فقال له الوليد: لم يكن لك رزق في تلك الأموال، وقد صارت إليّ، وأنا أبني بها هذا الجامع (١).

وقال الوليد بن مسلم: لما حفروا الأساسات وجدوا بابًا صغيرًا وعلى أُسكُفَّته حروف بالمُسْنَد، فلم يفهموها، فبعث الوليد إلى الآفاق، فجمع العلماء فحلوها إلى العربية، فإذا هي: لما رأينا هذين النيّرين والفلك الدائر؛ أيقنَّا أن لهم صانعًا، فبنينا هذا الهيكل لنعبده فيه، وكان ذلك الباب في أعلى الهيكل، فصار تحت الأرض قامات.

وقال الوليد بن مسلم: كان نقش هذا اللوح بالمسند: لما كان العالم مُحدَثًا بدليل أمارات الحَدَث عليه؛ ثبت أن له مُحدِثًا، فانتدب لبناء هذا الهيكل نجب الخير (٢)، فإن رأى الداخل فيه ذكر بانيه عند بارئه بخير فعل أو شكر فعله، وكتب لسبعة آلاف سنة خلت من سني ملك الاسطوان.

وحكى ابن عساكر عن أبي مُسهر الغَسَّاني قال: حيطان جامع دمشق من بناء هود ﵇، وما كان من الفسيفسات فمن عمل الوليد.

وقال أبو مُسهر: وجدوا حجرًا في حائط جامع دمشق، عليه مكتوب بالمسند، فلم يحله سوى وهب بن منبه، وإذا فيه: يا ابن آدم، لو عايَنْتَ ما بقي من يسير أجَلك لزَهِدْتَ فيما بقي من طويل أملك، وإنما يستولي عليك ندمك إذا زَلّت بك قدمُك، وأسلمك أهلُك وحَشَمُك، وانصرف عنك الحبيب، وهجرك القريب، فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا في عملك زائد، فاغتنم الحياة قبل الموت، والمبادرة قبل الفوت، قبل أن يُؤخذ منك بالكظم، ولا ينفعك النَّدم. وكتب في أيام سليمان بن داود نبي الله. فأمر الوليد أن يكتب هذه السطور بماء الذهب على حائط الجامع.

وحكى ابن عساكر، عن أبي مروان عبد الرحيم قال (٣): لما احتفروا أساس الجامع وجدوا مغارةً فيها تمثال إنسان من حجارة، على فرس من حجارة، وفي يده الواحدة


(١) "تاريخ دمشق" ٣/ ٦٤ (مخطوط).
(٢) في مختصر تاريخ دمشق ٣/ ٢٩٦، والدارس ٢/ ٣٧٣: مُحبُّ الخير.
(٣) في النسخ: مروان بن عبد الرحيم، والتصويب من "تاريخ دمشق" ١/ ٣١٦. والخبر قبله فيه ١/ ٣٠١.