للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرضى به أمير المؤمنين، فقال له يزيد: أمضها هذه المرَّة، فقال: لا أفعل (١)، فأقام يزيد بالعراق على مَضَض.

وكان عبد الملك بن المهلَّب عند سليمان بالشام، فقال له سليمان: يا عبد الملك، ما رأيك في ولاية خُراسان؟ قال: يجدني أمير المؤمنين حيث أحب، ثم أعرض سليمان عن ذلك، وكتب عبد الملك إلى العراق فخَبَّر رجالًا بأن سليمان عرض عليه ولاية خراسان، وبلغ يزيد بن المهلب وقد ضَيَّق عليه صالح، فقال لعبد الله بن الأهتم: إني قد دعوتُك لأمر، وأحبُّ أن تكفينيه، فقال: مُرْني بما شئت، فقال: قد ضَجِرتُ من العراق، وقد بلغني أن سليمان يريد أن يولّي خراسان أخي وأنا أولى، فقال له: اكتم هذا (٢).

وكتب يزيد إلى سليمان كتابًا يذكر فيه أمر العراق، ويثني على ابن الأهتم ويقول: إنه عالم بأمر العراف وخراسان، ودفع إليه ثلاثين ألفًا، فسار سبعًا وقدم على سليمان، فدفع إليه كتاب يزيد، فلما قرأه قال: إن يزيد كتب إلي يذكر علمك بالعراق وخراسان، فكيف علمك بهما؟ فقال: أنا أعلم الناس بهما؛ لأني بهما ولدتُ ونشأتُ، فقال: أشر عليَّ برجل أولّيه خراسان، فقال ابن الأهتم: أمير المؤمنين أعلم بمن يولّي، فإن رأى أن يَذكر رجالًا فأخبره بمَن يصلح منهم، فسمّى رجالًا من قريش، فقال ابن الأهتم: ليس هؤلاء من رجال خراسان، قال: فعبد الملك بن المهلَّب، قال: لا، قال: فوكيع بن أبي سُود، يعني الذي قتل قتيبة بن مسلم، فقال ابن الأهتم: وكيع رجلٌ شجاع مِقدام، إلا أنه لم يَقُد ثلاث مئة رجل قط فرأى لأحد عليه طاعة، قال: صدقت، فمن ترى لها؟ قال: رجل ليس لها سواه، قال: من هو؟ قال: لا أذكره حتى يضمَن لي أمير المؤمنين ستْر ذلك، وأن يجيرني منه، فإنه إن علم قتلني، قال: أنت آمن فمن هو؟ قال: يزيد بن المهلَّب، فقال سليمان: إن المقام بالعراق أحبّ إليه من المقام بخراسان، فقال: صدق أمير المؤمنين فتكرهه على ولاية خراسان فليس لها غيره، ويستخلف على العراق رجلًا، ويَتوجه هو إلى خراسان، فقال: أصبت.


(١) في "تاريخ الطبري" ٦/ ٥٢٤: قال صالح: فإني أجيزها فلا تكثرنّ علي.
(٢) في "تاريخ الطبري" ٦/ ٥٢٥ أن قائل ذلك يزيد بن المهلب.