للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولهم: إنَّ الأمَّة توارثت النحر بمنًى فلا يدلُّ على أن الذَّبيح لم يكن إسحاق لوجهين:

أحدهما: لأنه يحتمل أنَّ اللهَ تعالى أمر الخليل بنحر كبش (١) بمنًى، وجعل ذلك من شعائر الإسلام ومناسك الحج.

ويحتمل أنَّ إبراهيم سار بإسحاق إلى منى وعاد كما ذكر سعيد بن جبير (٢)، وأخرجه أحمد في "المسند" أنه إسحاق (٣).

وأمَّا قول ابن عباس: لقد كان رأس الكبش معلَّقا بقرنيه في أوَّل الإسلام. فبعيد لأنَّ بين إبراهيم ونبيَّنا محمد ثلاثة آلاف سنة، لما نذكر فيما بين الأنبياء من السنين، فكيف يبقى رأس الكبش هذه المدَّة؟ ويحتمل أنه رأس كبش آخر.

وما روي عن عليٍّ كرَّم الله وجهه فقد روي عنه أنَّ الذَّبيح إسحاق. وقول ابن عباس عرض له الشيطان عند العقبة لا ينفي أن يكون إسحاق.

وأمَّا على قول القائلين بأنه إسحاق، فالأخبار التي ذكرها الثعلبي غريبة جدًّا. وأمَّا حديث العباس فلا يصحُّ مرفوعًا إلى رسول الله ، قال محمد بن إسحاق: رواه المبارك بن فضالة عن الحسن فوقفه على العباس، وكذا رواه عكرمة عن ابن عباس عن أبيه، وعكرمة ضعيف.

وقولهم: ليس في القرآن أنه بُشّر بولد إلا بإسحاق، فقد ثبت في الصحيح: أنَّ إسماعيل وُلدَ له أوَّلًا على ما رواه البخاري، فنزل منزلة المتواتر، ولا يختلفون فيه.

وأمَّا الآثار فمعارضة بمثلها.

قلت: وإذا وقع التعارض وجب التوقف، أو نطلب الترجيح، فنقول: مذهب من قال بأنه إسحاق مذهب الجمِّ الغفير من الصحابة وغيرهم، ومن خالفهم مثل على وابن عبّاس فقد روينا عنهما مثل قول الجميع.


(١) في "ب" كبشين.
(٢) انظر "الزهد" لأحمد بن حنبل ص ١٠٢.
(٣) مسند أحمد (٢٧٩٤) من حديث ابن عباس مرفوعًا، وإسناده ضعيف.